بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٤١٠
أوسطنا نسبا "، وهو ابن أخي هذا الرجل، يعنون أبا طالب، وهو من ولد عبد المطلب، فقام الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وقال: والله أن كان بنا للوم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظه لحظا " شديدا "، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات و العزى إلا أخبرتني عما أسألك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئا " بغضهما، قال: بالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده، فقبل موضع الخاتم، وقالت قريش: إن لمحمد صلى الله عليه وآله عند هذا الراهب لقدرا "، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، قال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني، قال: ما هو ابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا "، قال: فابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبا "، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبلعنه (1) غثا "، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، نجده في كتبنا، وما روينا عن آبائنا، واعلم أني قد أديت إليك النصيحة، فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا "، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره، فنهاهم أشد النهي، وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل، فصدقوه وتركوه، ورجع به أبو طالب، فما خرج به سفرا " بعد ذلك خوفا " عليه.
وكان في سنة أربع عشرة من مولده صلى الله عليه وآله الفجار الاخر بين هوازن وقريش، وحضره رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفي سنة سبع عشرة وثبت العظماء والاشراف بالمدائن فخلعوا هرمز، وسملوا

(1) في المصدر: ليبغنه غبنا. قلت: لعله من بغى الشئ: طلبه، والغبن: المكر والخديعة.
(٤١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 » »»
الفهرست