بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٤٠٩
وكان ذا علم في النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة راهب يصير إليه علمهم من كتاب فيما يزعمون يتوارثون كابرا " عن كابر.
يقال: أضب على ما في نفسه: إذا أخرجه، وأضب: تكلم، ويقال: جاء فلان يضب لسانه أي اشتد حرصه.
وروي (1) عن داود بن الحصين قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله صلى الله عليه وآله في المرة الأولى وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فلما نزل الركب بصرى الشام وبها راهب يقال له: بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا ببحيرا وكان كثيرا " ما يمرون به لا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا " قريبا " من صومعته. قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاما " ثم دعاهم، وإنما حمله على دعاءهم أنه رأى حين طلعوا غمامة تظل رسول الله صلى الله عليه وآله من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة، وأخضلت أغصان الشجرة على النبي صلى الله عليه وآله حين استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فاتي به، فأرسل إليهم فقال:
إني قد صنعت لكم طعاما " يا معشر قريس، وأنا أحب أن تحضروه كلكم ولا تخلفون (2) منكم صغيرا " ولا كبيرا "، حرا " ولا عبدا "، فإن هذا شئ تكرموني به، فقال له رجل: إن لك لشأنا " يا بحيرا، ما كنت تصنع بنا هذا، فما شأنك اليوم؟ قال: فإني أحببت أن أكرمكم ولكم حق، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وآله من بين القوم لحداثة سنه، ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرفها ويجدها عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ويراها متخلفة على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله، قال بحيرا: يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا " في رحالهم، فقال: ادعوه فليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد، مع أني أراه من أنفسكم فقال القوم: هو والله

(1) والحديث في المصدر مسند يطول ذكر إسناده.
(2) في المصدر: ولا تخلفوا.
(٤٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 » »»
الفهرست