بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٧٣
الله تعالى إلى أن دخلت على عبد المطلب وهو جالس بالصفا، وكان له سرير منصوب عند الكعبة يجلس عليه للقضاء بين الناس، فلما أتته قالت له: نعمت صباحا " أيها السيد، فقال لها: من أين أنت أيتها المرأة؟ قالت: من بني سعد أتينا نطلب رضيعا " نتعيش من اجرته، وقد أرشدت إليك، فقال: نعم عندي ولد لم تلد النساء مثله أبدا "، غير أنه يتيم من أبيه وأنا جده أقوم مقام أبيه، فإن أردت أن ترضعيه دفعته إليك وأعطيتك كفايتك، فلما سمعت ذلك أمسكت عن الكلام، ثم قالت: يا سيد بني عبد مناف لي بعل بظهر مكة وهو مالك أمري وأنا أرجع إليه أشاوره في ذلك، فإن أمرني بأخذه رجعت إليه و أخذته، فقال لها عبد المطلب: شأنك، فوصلت إلى بعلها وقالت له: إني وردت على عبد المطلب فقال: عندي مولود أبوه ميت، وأنا أقوم مقامه، فما تقول؟ قال: يرجعن نساء بني سعد بالاحسان والاكرام وترجعين أنت بصبي يتيم؟ وكانت جملة نساء بني سعد قد دخلن مكة، فمنهن من حصل لها رضيع، ومنهن من لم يحصل لها شئ، فقالت حليمة: ترجع نساء بني سعد بالغنائم (1)، وأرجع أنا خائبة؟ وأسبلت (2) عبرتها، فقال بعلها: ارجعي إلى هذا الطفل اليتيم وخذيه فعسى أن يجعل الله فيه خيرا " كثيرا "، فإن جده مشكور بالاحسان، فرجعت حليمة فوجدته في مكانه الأول فذكرت له قول زوجها، فقام عبد المطلب ومضى بها إلى منزل آمنة وأخبرها بذلك وأعلمها باسمها وقومها، فقالت: هذه التي أمرت أن أدفع إليها ولدي، فقالت لها آمنة: أبشري يا حليمة بولدي هذا (3)، فوالله ما أخصبت بلادنا إلا ببركة ولدي هذا، ثم أدخلتها آمنة البيت الذي فيه المصطفى صلى الله عليه وآله، فقالت حليمة: أتوقدين يا آمنة مع ولدك المصباح في النهار؟ قالت: لا، فوالله من حيث ولد ما أوقدت عنده النار، بل هو يغنيني عن المصباح، فنظرت حليمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ملفوف في ثوب من صوف أبيض، يفوح منه رائحة المسك والعنبر، فوقعت في قلبها محبة محمد صلى الله عليه وآله، وفرحت وسرت به سرورا " عظيما "، وكان نائما " فأشفقت عليه أن توقظه من

(1) في المصدر: بالمراضع.
(2) أسبلت عبرتها: أرسلها والعبرة: الدمعة.
(3) في المصدر: أبشري يا حليمة فإنك تسعدين بولدي هذا.
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»
الفهرست