ثم ردني إلى مكاني، وقال لي يا حليمة: عليك ببطحاء مكة، فإن لك بها رزقا " واسعا "، وسوف تسعدين ببركة مولود ولد بها، وضرب بيده على صدري، وقال: أدر الله لك اللبن (1)، وجنبك المحق والمحن، قالت حليمة: فانتبهت وأنا لا أطيق حمل ثديي من كثرة اللبن (2)، واكتسيت حسنا " وجمالا "، وأصبحت بحالة غير الحالة الأولى (3)، ففزعت إلي نساء قومي وقلن: يا حليمة قد عجبنا من حالك، فما الذي حل بك؟ ومن أين لك هذا الحسن والجمال الذي ظهر فيك؟ قالت: فكتمت أمري عليهن فتركنني وهن أحسد الناس لي، ثم بعد يومين هتف بي هاتف فسمعه بنو سعد عن آخرهم وهو يقول:
يا نساء بني سعد نزلت عليكم البركات، وزالت عنكم الترحات (4) برضاعة مولود (5) ولد بمكة، فضله الواحد الأحد، فهنيئا " لمن له قصد، فلما سمعوا ما قاله الهاتف قالوا:
إن لهذا المولود شأنا " عظيما "، فرحل بنو سعد عن آخرهم إلى مكة (6)، قالت حليمة:
ولم يبق أحد إلا وقد خرج إلى مكة، قالت: وكنا أهل بيت فقر ولم يكن عندنا شئ نحمل عليه، وقد ماتت مواشينا من القحط، وكانت (7) حليمة من أطهر نساء قومها و أعفهن، ولذلك ارتضاها الله تعالى لترضع رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانت النساء إذا دخلن على آمنة تسألهن عن أسمائهن، فإذا لم تسمع بذكر حليمة تقول: ولدي يتيم لا أب له ولا مال، فيذهبن عنها، فأقبلت حليمة مع بعلها ودخلت مكة وخلفت بعلها خارج البلد وقالت له: مكانك حتى أدخل مكة، وأسأل عن هذا المولود الذي بشرنا به، فلما دخلت حليمة مكة أرشدها