بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٦٤
وقال أيضا ": روى محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة النبوية، ورواه أيضا " محمد ابن جرير الطبري في تاريخه قال: كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله صلى الله عليه وآله التي أرضعته تحدث أنها خرجت من بلدها ومعها زوجها وابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر يلتمس الرضعاء بمكة في سنة شهباء لم تبق شيئا "، قالت:
فخرجت على أتان لنا قمراء عجفاء، ومعنا شارف لنا ما تبض (1) بقطرة، ولا ننام ليلنا أجمع من بكاء صبينا الذي معنا من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، ولا في شارفنا (2) ما يغذيه، ولكنا نرجوا الغيث والفرج، فخرجت على اتاني تلك ولقد راثت بالركب ضعفا " و عجفا " حتى شق ذلك عليهم، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء (3)، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها محمد فتأباه إذا قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم، ما عسى أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة ذهبت معي إلا أخذت رضيعا " غيري، فلما اجتمعنا للانطلاق قلت لصاحبي:
والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي لم آخذ رضيعا "، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، قال: لا عليك أن تفعلي، وعسى الله أن يجعل لنا فيه بركة، فذهبت إليه فأخذته وما يحملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، قالت: فلما أخذته رجعت إلى رحلي فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فرضع حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، وما كنا ننام قبل ذلك من بكاء صبينا جوعا "، فنام وقام زوجي إلى شارفنا تلك فنظر إليها فإذا أنها حافل فحلب منها ما شرب وشربت حتى انتهينا ريا " وشبعا "، فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمين (4) والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة، فقلت: والله إني لأرجو ذلك، ثم خرجنا وركبت أتاني تلك وحملته معي عليها، فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شئ من حميرهم حتى أن صواحبي ليقولن لي:

(1) قال الجزري: ما تبض ببلال أي ما يقطر منها بلبن، يقال: بض الماء: إذا قطر وسال.
(2) الشارف: المسنة من النوق.
(3) في المصدر: الرضاع.
(4) في المصدر: أتعلمين؟.
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»
الفهرست