بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٣٦
فتعجبت منه، وكنت ربما أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه نورا " ممدودا " قد بلغ السماء، ثم لم أر منه كذبة قط، ولا جاهلية قط، ولا رأيته يضحك في موضع (1) الضحك، ولا وقف مع صبيان في لعب، ولا التفت إليهم، وكان الوحدة أحب إليه والتواضع.
وكان النبي ابن سبع سنين فقالت اليهود: وجدنا في كتبنا أن محمدا " يجنبه ربه من الحرام والشبهات فجربوه، فقدموا إلى أبي طالب دجاجة مسمنة، فكانت قريش يأكلون منها، والرسول تعدل يده عنها، فقالوا: مالك؟ قال: أراها حراما " يصونني ربي عنها، فقالوا: هي حلال فنلقمك، قال: فافعلوا إن قدرتم، فكانت أيديهم يعدل بها إلى الجهات، فجاؤوه بدجاجة أخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن يؤدوا ثمنها إذا جاء، فتناول منها لقمة فسقطت من يده، فقال عليه السلام: وما أراها إلا من شبهة يصونني ربي عنها، فقالوا:
نلقمك منها، فكلما تناولوا منها ثقلت في أيديهم، فقالوا: لهذا شأن عظيم.
ولما ظهر أمره صلى الله عليه وآله عاداه أبو جهل، وجمع صبيان بني مخزوم وقال: أنا أميركم، وانعقد صبيان بني هاشم وبني عبد المطلب على النبي وقالوا: أنت الأمير، قالت أم علي عليه السلام:
وكان في صحن داري شجرة قد يبست وخاست، ولها زمان يابسة، فأتى النبي صلى الله عليه وآله يوما " إلى الشجرة فمسها بكفه فصارت من وقتها وساعتها خضراء، وحملت الرطب، فكنت في كل يوم أجمع له الرطب في دوخلة، فإذا كانت وقت ضاحي النهار يدخل يقول: يا أماه أعطيني ديوان العسكر، وكان يأخذ الدوخلة ثم يخرج ويقسم الرطب على صبيان بني هاشم، فلما كان بعض الأيام دخل وقال: يا أماه أعطيني ديوان العسكر، فقلت:
يا ولدي اعلم أن النخلة ما أعطتنا اليوم شيئا "، قالت: فوحق نور وجهه لقد رأيته وقد تقدم نحو النخلة وتكلم بكلمات وإذا بالنخلة قد أنحنت حتى صار رأسها عنده، فأخذ من الرطب ما أراد، ثم عادت النخلة إلى ما كانت، فمن ذلك اليوم قلت: اللهم رب السماء ارزقني ولدا " ذكرا " يكون أخا " لمحمد، ففي تلك الليلة واقعني أبو طالب فحملت بعلي بن أبي طالب فرزقته، فما كان يقرب صنما " ولا يسجد لوثن، كل ذلك ببركة محمد صلى الله عليه وآله (2).

(١) غير موضع خ ل.
(٢) مناقب آل أبي طالب ١: ٢٦ و 27.
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»
الفهرست