بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٤ - الصفحة ٤٦٩
وهما بما ترون من حال الفقر والذل؟! فهلا ألقي عليهما أساورة من ذهب؟ إعظاما للذهب وجمعه، واحتقارا للصوف ولبسه، ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ومعادن العقيان ومغارس الجنان وأن يحشر معهم طير السماء ووحوش الأرض لفعل، ولو فعل لسقط البلاء، وبطل الجزاء، واضمحل الانباء، (1) ولما وجب للقابلين أجور المبتلين، (2) ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين، ولا لزمت الأسماء معانيها، ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الابصار والاسماع أذى ولو كانت الأنبياء عليهم السلام أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام وملك تمتد نحوه أعناق الرجال وتشد إليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم في الاستكبار (3) ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم فكانت النيات مشتركة، والحسنات مقتسمة، ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الاتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والاستكانة لامره والاستسلام لطاعته أمورا له خاصة، لا يشوبها من غيرها شائبة، وكلما كانت البلوى و الاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل، ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم عليه السلام إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله الله للناس قياما، ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا، و أقل نتائق الدنيا (4) مدرا، وأضيق بطون الأودية قطرا، بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خف ولا حافر ولا ظلف. (5)

(1) في نسخة: واضمحل الأشياء. وفي المصدر: واضمحلت الانباء.
(2) في هامش المطبوع: مبتلين - بفتح اللام - كالمعطين والمرتضين جمع معطى ومرتضى.
(3) في نسخة: وأبعد لهم من الاستكبار. قوله (أهون) أي أضعف تأثيرا في تربيتهم واتعاظهم بأقوالهم (وأبعد لهم) أي أشد توغلا بهم في الاستكبار لان الأنبياء يكونون قدوتهم في الكبر والعظمة حينئذ.
(4) في المصدر: نتائق الأرض.
(5) لا يزكو أي لا ينمو. خف أي ذا خف أي جمال وخيل وبقر وغنم، تعبير عنها بما ركبت عليه قوائمها.
(٤٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 ... » »»
الفهرست