عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بألوان المجاهد، (1) ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجا للتكبر من قلوبهم، وإسكانا للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله، و أسبابا ذللا لعفوه.
فالله الله في عاجل البغي، وآجل وخامة الظلم، وسوء عاقبة الكبر، فإنها مصيدة إبليس العظمى، ومكيدته الكبرى التي تساور قلوب الرجال مساورة السموم القاتلة، فما تكدي أبدا، ولا تشوي أحدا، لا عالما لعلمه، ولا مقلا في طمره، (2) وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكينا لاطرافهم، وتخشيعا لأبصارهم، وتذليلا لنفوسهم، وتخفيضا لقلوبهم، وإذهابا للخيلاء عنهم، لما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعا، والتصاق (3) كرائم الجوارح بالأرض تصاغرا، ولحوق البطون بالمتون من الصيام تذللا، مع ما في الزكاة من صرف ثمرات الأرض، وغير ذلك إلى أهل المسكنة والفقر.
انظروا إلى ما في هذه الأفعال من قمع نواجم الفخر، وقدع طوالع الكبر، ولقد نظرت فما وجدت أحدا من العالمين يتعصب لشئ من الأشياء إلا عن علة تحتمل تمويه الجهلاء، أو حجة تليط بعقول السفهاء غيركم، فإنكم تتعصبون لأمر ما يعرف له سبب ولا علة. (4) أما إبليس فتعصب على آدم عليه السلام لاصله، وطعن عليه في خلقته فقال: أنا ناري وأنت طيني، وأما الأغنياء من مترفة (5) الأمم فتعصبوا لآثار مواقع النعم فقالوا: