دفاع، حتى إذ رأى الله جد الصبر منهم على الأذى في محبته، والاحتمال للمكروه من خوفه، جعل لهم من مضائق البلاء فرجا، فأبدلهم العز مكان الذل، والامن مكان الخوف فصاروا ملوكا حكاما، وأئمة أعلاما، وبلغت الكرامة من الله لهم ما لم تذهب (1) الآمال إليه بهم، فانظروا كيف كانوا حيث كانت الاملاء مجتمعة، والأهواء متفقة، والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة، والسيوف متناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة، ألم يكونوا أربابا في أقطار الأرضين؟ وملوكا على رقاب العالمين؟ فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم حين وقعت الفرقة، وتشتت الألفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعبوا مختلفين، وتفرقوا متحازبين، (2) قد خلع الله عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته، و بقي قصص أخبارهم فيكم عبرا للمعتبرين منكم. (3) فاعتبروا (4) بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل عليهم السلام، فما أشد اعتدال الأحوال، وأقرب اشتباه الأمثال، (5) تأملوا أمرهم في حال تشتتهم وتفرقهم ليالي كانت الأكاسرة والقياصرة أربابا لهم يحتازونهم عن ريف الآفاق، وبحر العراق، و خضرة الدنيا إلى منابت الشيح، ومهافي الريح، ونكد المعاش، فتركوهم عالة مساكين إخوان دبر ووبر، أذل الأمم دارا، وأجدبهم قرارا، لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها، ولا إلى ظل ألفة يعتمدون على عزها، فالأحوال مضطربة، والأيدي مختلفة، و الكثرة متفرقة، في بلاء أزل، وإطباق جهل، من بنات موؤودة، وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة.
فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولا (6) فعقد بملته طاعتهم