وجمع على دعوته ألفتهم، كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها؟ وأسالت لهم جداول نعيمها؟ والتفت الملة بهم في عوائد بركتها؟ فأصبحوا في نعمتها غرقين، وعن خضرة عيشها فكهين، قد تربعت الأمور بهم في ظل سلطان قاهر، وآوتهم الحال إلى كنف عز غالب، وتعطفت الأمور عليهم في ذرى ملك ثابت، فهم حكام على العالمين، وملوك في أطراف الأرضين، يملكون الأمور على من كان يملكها عليهم، ويمضون الاحكام فيمن كان يمضيها فيهم، لا تغمز لهم قناة، ولا تقرع لهم صفاة.
ألا وإنكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة، وثلمتم حصن الله المضروب عليكم بأحكام الجاهلية، وإن الله سبحانه قد امتن على جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة التي ينتقلون في ظلها، (1) ويأوون إلى كنفها بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة، لأنها أرجح من كل ثمن، وأجل من كل خطر.
واعلموا أنكم صرتم بعد الهجرة أعرابا، (2) وبعد الموالاة أحزابا، ما تتعلقون من الاسلام إلا باسمه، ولا تعرفون من الايمان إلا رسمه، تقولون: النار ولا العار، كأنكم تريدون أن تكفئوا الاسلام على وجهه، انتهاكا لحريمه، ونقضا لميثاقه الذي وضعه الله لكم حرما في أرضه، وأمنا بين خلقه، وإنكم إن لجأتم إلى غيره حاربكم أهل الكفر، ثم لا جبرئيل ولا ميكائيل ولا مهاجرون ولا أنصار ينصرونكم إلا المقارعة بالسيف، حتى يحكم الله بينكم، وإن عندكم الأمثال من بأس الله وقوارعه وأيامه (3) ووقائعه فلا تستبطئوا وعيده جهلا بأخذه، وتهاونا ببطشه، ويأسا من بأسه، فإن الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي (4) بين أيديكم إلا لتركهم الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فلعن السفهاء (5)