37 - نهج البلاغة: الحمد لله الذي لبس العز والكبرياء، واختارهما لنفسه دون خلقه، وجعلهما حمى (1) وحرما على غيره، واصطفاهما لجلاله، وجعل اللعنة على من نازعه فيهما من عباده، ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين، فقال سبحانه - وهو العالم بمضمرات القلوب ومحجوبات الغيوب -: " إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس " اعترضته الحمية، فافتخر على آدم بخلقه، وتعصب عليه لاصله، فعدو الله إمام المتعصبين، وسلف المستكبرين، (2) الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رداء الجبرية، وادرع لباس التعزز، وخلع قناع التذلل، ألا ترون كيف صغره الله بتكبره ووضعه بترفعه؟ فجعله في الدنيا مدحورا، (3) وأعد له في الآخرة سعيرا؟.
ولو أراد الله سبحانه أن يخلق آدم من نور يخطف الابصار ضياؤه ويبهر العقول رواؤه وطيب يأخذ الأنفاس عرفه لفعل، ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة، ولخفت البلوى فيه على الملائكة، ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزا بالاختبار لهم، ونفيا للاستكبار عنهم، وإبعادا للخيلاء منهم.
فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل، وجهده الجهيد، و كان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى (4) أمن سني الدنيا أو من سني الآخرة عن كبر