ولا تكلف سبب ولا أداة، وإنما كنى بهذه اللفظة لأنه لا يدخل في وهم العباد شئ أسرع من كن فيكون، والآخر أن هذه الكلمة جعلها الله علامة للملائكة فيما يريد إحداثه وإيجاده لما فيه من المصلحة والاعتبار، وإنما استعمل لفظة الامر فيما ليس بأمر هنا ليدل ذلك على أن فعله بمنزلة فعل المأمور في أنه لا كلفة فيه على الآمر. (1) وقال رحمه الله في قوله " واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا " أي انفردت من أهلها إلى مكان في جهة المشرق وقعدت ناحية منهم، قال ابن عباس:
" إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة لأنها انتبذت مكانا شرقيا، وقيل: اتخذت مكانا تنفرد فيه للعبادة لئلا تشتغل بكلام الناس، عن الجبائي، وقيل: تباعدت عن قومها حتى لا يروها، عن الأصم وأبي مسلم، وقيل: إنها تمنت أن تجد خلوة فتفلي رأسها، (2) فخرجت في يوم شديد البرد فجلست في مشرقة للشمس، عن عطاء " فاتخذت من دونهم حجابا " أي فضربت من دون أهلها لئلا يروها سترا وحاجزا بينها وبينهم " فأرسلنا إليها روحنا " يعني جبرئيل عليه السلام عن ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم، وسماه الله روحا لأنه روحاني، وأضافه إلى نفسه تشريفا له " فتمثل لها بشرا سويا " معناه:
فأتاها جبرئيل فانتصب بين يديها في صورة آدمي صحيح لم ينقص منه شئ، وقال أبو مسلم:
إن الروح الذي خلق منه المسيح عليه السلام تصور لها إنسانا، والأول هو الوجه لاجماع المفسرين عليه، وقال عكرمة: كانت مريم إذا حاضت خرجت من المسجد، وكانت عند خالتها امرأة زكريا أيام حيضها، فإذا طهرت عادت إلى بيتها في المسجد، فبينما هي في مشرقة لها في ناحية الدار وقد ضربت بينها وبين أهلها سترا لتغتسل وتمتشط إذ دخل عليها جبرئيل في صورة رجل شاب أمرد سوي الخلق، فأنكرته فاستعاذت بالله منه " قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا " معناه إني أعتصم بالرحمن من شرك فاخرج من عندي إن كنت تقيا.
سؤال: كيف شرطت في التعوذ منه أن يكون تقيا والتقي لا يحتاج أن يتعوذ منه، وإنما يتعوذ من غير التقي؟.