أعلمنا الله (1) سبحانه أنه يبقى إلى حال الكهولة، وفي ذلك إعجاز لكون المخبر في وفق الخبر، (2) وقيل: المراد به الرد على النصارى بما كان فيه من التقلب في الأحوال لان ذلك مناف لصفة الاله " ومن الصالحين " أي ومن النبيين مثل إبراهيم وموسى عليهما السلام، وقيل: إن المراد بالآية: ويكلمهم في المهد دعاء إلى الله، وكهلا بعد نزوله من السماء ليقتل الدجال وذلك لأنه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وذلك قبل الكهولة، عن زيد بن أسلم.
وفي ظهور المعجزة في المهد قولان:
أحدهما: أنها كانت مقرونة بنبوة المسيح عليه السلام لأنه سبحانه أكمل عقله في تلك الحال وجعله نبيا، وأوحى إليه بما تكلم به، عن الجبائي، وقيل: كان ذلك على التأسيس والارهاص لنبوته، (3) عن ابن الاخشيد، ويجوز عندنا الوجهان، ويجوز أن يكون معجزة لمريم تدل على طهارتها وبراءة ساحتها إذ لا مانع لذلك، وقد دلت الأدلة الواضحة على جوازه، وإنما جحدت النصارى كلام المسيح في المهد مع كونه آية ومعجزة لان في ذلك إبطال مذهبهم (4) لأنه قال: " إني عبد الله " وهو ينافي قولهم: إنه ابن الله، فاستمروا على تكذيب من أخبر بذلك (5) " قالت مريم أنى يكون لي " أي كيف يكون لي " ولد ولم يمسسني بشر " لم تقل ذلك استبعادا واستنكارا، بل إنما قالت استفهاما واستعظاما لقدرة الله تعالى، لان في طبع البشر التعجب مما خرج عن المعتاد، وقيل: إنما قالت ذلك لتعلم أن الله سبحانه يرزقها الولد وهي على حالتها لم يمسسها بشر، أو يقدر لها زوجا ثم يرزقها الولد على مجرى العادة " قال كذلك الله يخلق ما يشاء " أي يخلق ما يشاء مثل ذلك، فهي حكاية ما قال لها الملك، أي يرزقك الولد وأنت على هذه الحالة لم يمسك بشر " إذا قضى أمرا " أي خلق أمرا، وقيل: إذا قدر أمرا " فإنما يقول له كن فيكون " وقيل في معناه قولان: أحدهما أنه إخبار بسرعة حصول مراد الله تعالى في كل شئ أراد حصوله من غير مهلة ولا معاناة