" إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " وقيل: سمي بذلك لان الله تعالى بشر به في الكتب السالفة، كما يقول الذي يخبر بالامر إذا خرج موافقا لامره: قد جاء كلامي، ومما جاء من البشارة به في التوراة " أتانا الله من سيناء، و أشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران " وساعير هو الموضع الذي بعث منه المسيح عليه السلام وقيل: لان الله يهدي به كما يهدي بكلمته.
والقول الثاني: أن الكلمة بمعنى البشارة، كأنه قال: ببشارة منه ولد اسمه المسيح، والأول أقوى، ويؤيده قوله: " إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " وإنما ذكر الضمير في اسمه وهو عائد إلى الكلمة لأنه واقع على مذكر فذهب إلى المعنى.
واختلف في أنه لم سمي بالمسيح فقيل: لأنه مسح باليمن والبركة، عن الحسن وقتادة وسعيد، وقيل: لأنه مسح بالتطهير من الذنوب، وقيل: لأنه مسح بدهن زيت بورك فيه، وكانت الأنبياء تتمسح به، عن الجبائي، وقيل: لأنه مسحه جبرئيل بجناحه وقت ولادته ليكون عوذة من الشيطان، وقيل: لأنه كان يمسح رأس اليتامى لله، وقيل: لأنه يمسح (1) عين الأعمى فيبصر، عن الكلبي، وقيل: لأنه كان لا يمسح ذا عاهة بيده إلا أبرأه، عن ابن عباس في رواية عطاء والضحاك، وقال أبو عبيدة: وهو بالسريانية مشيحا، فعربته العرب " عيسى ابن مريم " نسبه إلى أمه ردا على النصارى قولهم (2): إنه ابن الله " وجيها " ذا جاه وقدر وشرف " في الدنيا والآخرة ومن المقربين " إلى ثواب الله وكرامته " ويكلم الناس في المهد " أي صغيرا، والمهد الموضع الذي يمهد لنوم الصبي، ويعني بكلامه في المهد: " إني عبد الله آتاني الكتاب " الآية، ووجه كلامه في المهد أنه تنزيه لامه (3) مما قذفت به وجلالة له بالمعجزة التي ظهرت فيه " وكهلا " أي يكلمهم كهلا بالوحي الذي يأتيه من الله،