اختلفوا فيها فقيل: العوسجة، وقيل: العناب، فتحير موسى وارتعدت مفاصله حيث رأى نارا عظيمة ليس لها دخان، تلتهب وتشتعل من جوف شجرة خضراء، لا تزداد النار إلا عظما، ولا الشجرة إلا خضرة ونضرة، فلما دنا استأخرت عنه، فخاف عنها ورجع، ثم ذكر حاجته إلى النار فرجع إليها فدنت منه فنودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة:
" أن يا موسى " فنظر فلم ير أحدا فنودي: " إني أنا الله رب العالمين " فلما سمع ذلك علم أنه ربه، فناداه ربه أن ادن واقترب، فلما قرب منه وسمع النداء ورأي تلك الهيبة خفق قلبه و كل لسانه وضعفت متنه، (1) وصار حيا كميت، فأرسل الله سبحانه إليه ملكا يشد ظهره، ويقوي قلبه، فلما تاب إليه (2) نودي: " اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى " ثم قال الله سبحانه تسكينا لقلبه وإذهابا لدهشته: " وما تلك بيمينك " إلى قوله تعالى: " مآرب أخرى ".
واختلف في اسم العصا قال ابن جبير: اسمها ما شاء الله، (3) وقال مقاتل: اسمها نفعة، وقيل غياث، وقيل عليق. وأما صفتها والمآرب التي فيها لموسى عليه السلام فقال أهل العلم بأخبار الماضين: كان لعصا موسى شعبتان ومحجن في أصل الشعبتين، وسنان حديد في أسفلها، فكان موسى عليه السلام إذا دخل مفازة ليلا ولم يكن قمر تضئ شعبتاها كالشعبتين من نور، تضيئان له مد البصر، وكان إذا أعوز الماء أدلاها في البئر فجعلت تمتد إلى مقدار قعر البئر وتصير في رأسها شبه الدلو يستقي، وإذا احتاج إلى الطعام ضرب الأرض بعصاه فيخرج ما يأكل يومه، وكان إذا اشتهى فاكهة من الفواكه غرزها في الأرض (4) فتغصنت أغصان تلك الشجرة التي اشتهى موسى فاكهتها وأثمرت له من ساعتها، ويقال: كان عصاه من اللوز، فكان إذا جاع ركزها (5) في الأرض فأورقت وأثمرت وأطعمت فكان يأكل منها اللوز، وكان إذا قاتل عدوه يظهر على شعبتيها تنينان يتناضلان، (6) وكان يضرب على الجبل