أمعائه من شدة الجوع لنظر، ما يسأل الله تعالى إلا اكلة.
وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة. قالوا: فلما رجعتا إلى أبيهما قال لهما: ما أعجلكما! قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا أغنامنا فقال لإحداهما: فاذهبي فادعيه إلي، وهي التي تزوجها موسى، فجاءته إحداهما تمشي على استحياء فقالت له: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فقام موسى عليه السلام و تقدمته وهو يتبعها، فهبت ريح فألزقت ثوب المرأة بردفها، فقال لها: امشي خلفي ودليني على الطريق، فإن أخطأت فارمي قدامي بحصاة، فإنا بني يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء، فنعتت له الطريق إلى منزل أبيها ومشت خلفه حتى دخلا على شعيب، فسأله عن حاله فأخبره فقال: " لا تخف نجوت من القوم الظالمين " فقالت إحداهما وهي التي كانت الرسول إلى موسى: " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " وإنما قالت:
القوي لأنه أزال الحجر الذي كان يرفعه ثلاثون أو أربعون رجلا، (1) فقال لها أبوها:
فما علمك بأمانته؟ فأخبرت أباها بما أمرها به موسى من استدبارها إياه.
قالوا: فلما قضى موسى عليه السلام أتم الأجلين وسار بأهله منفصلا من أرض مدين يؤم الشام ومعه أغنامه وامرأته وهي في شهرها لا تدري أليلا تضع أم نهارا فانطلق في برية الشام عادلا عن المدائن والعمران مخافة الملوك الذين كانوا بالشام، وكان أكبر همه يومئذ أخاه هارون وإخراجه من مصر، فسار موسى عليه السلام في البرية غير عارف بطرقها، فأجاءه المسير (2) إلى جانب الطور الغربي الأيمن في عشية شاتية شديدة البرد، وأظلم عليه الليل، وأخذت السماء ترعد وتبرق وتمطر وأخذ امرأته الطلق، فعمد موسى إلى زنده و قدحه مرات فلم تور، فتحير وقام وقعد وأخذ يتأمل ما قرب وبعد تحيرا وضجرا، فبينا هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارا، فحسبه نارا فقال لأهله: امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى يعني من يدلني على الطريق وكان قد ضل الطريق، فلما أتاها رأى نورا عظيما ممتدا من عنان السماء إلى شجرة عظيمة هناك، و