تبتلعها، وجعلت تتلمظ وتترمرم كأنها تطلب شيئا تأكل وكان تكون في عظم الثعبان وخفة الجان، ولى الحية، وذلك موافق لنص القرآن حيث قال في موضع: " فإذا هي ثعبان مبين " وقال في موضع آخر: " كأنها جان " وقال في موضع آخر: " فإذا هي حية تسعى " قالوا: فلما ألقاها صارت شعبتاها فمها، ومحجنها عرفا لها في ظهرها وهي تهتز لها أنياب وهي كما شاء الله أن يكون، فرأى موسى أمرا فظيعا فولى مدبرا ولم يعقب، فناداه ربه تعالى: أن يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين. قالوا: وكان على موسى جبة من صوف فلف كمه على يده وهو لها هائب فنودي: أن احسر عن يدك، فحسر كمه عن يده ثم أدخل يده بين لحييها، فلما قبض فإذا هو عصاه في يده ويده بين شعبتيها حيث كان يضعها، ثم قال له: " أدخل يدك في جيبك " فأدخلها ثم أخرجها فإذا هي نور تلتهب يكل عنه البصر، ثم ردها فخرجت كما كانت على لون يديه.
ثم قال له: " اذهب إلى فرعون إنه طغى " فقال موسى: " رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون " قال الله تعالى: " سنشد عضدك بأخيك " الآية، وكان على موسى يومئذ مدرعة قد خلها بخلال وجبة من صوف، وثياب من صوف، وقلنسوة من صوف، والله سبحانه يكلمه ويعهد إليه ويقول له: يا موسى انطلق برسالتي وأنت بعيني وسمعي، ومعك قوتي و نصرتي، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي، بطر من نعمتي وآمن مكري، وغرته الدنيا حتى جحد حقي، وأنكر ربوبيتي، وزعم أنه لا يعرفني، وعزتي وجلالي لولا الحجة والعذر اللذان جعلتهما بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار تغضب لغضبه السماوات والأرض والبحار والجبال والشجر والدواب، فلو أذنت للسماء لحصبته، (1) أو للأرض لابتلعته أو للجبال لدكدكته، أو للبحار لغرقته، ولكن هان علي وصغر عندي ووسعه حلمي، وأنا الغني عنه وعن جميع خلقي، وأنا خالق الغني والفقير، لا غني إلا من أغنيته، ولا فقير إلا من أفقرته، فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وتوحيدي والاخلاص لي، وحذره نقمتي وبأسي، وذكره أيامي، وأعلمه أنه لا يقوم لغضبي شئ وقل له فيما بين ذلك