جالوت قد عظمت نكايتهم (1) في بني إسرائيل حتى كادوا يهلكونهم، فلما رأى بنو إسرائيل ذلك قالوا: " ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله " إلى قوله: " وأبنائنا " فدعا الله فأرسل إليه عصا وقرنا (2) فيه دهن، وقيل له: إن صاحبكم طوله طول هذه العصا، فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن فهو ملك بني إسرائيل فدهن رأسه به وملكه عليهم، فقاسوا أنفسهم بالعصا فلم يكونوا مثلها، وقيل: كان طالوت دباغا، وقيل: كان سقاء يستقي الماء ويبيعه فضل حماره فانطلق يطلبه، فلما اجتاز بالمكان الذي فيه إشمويل دخل يسأله أن يدعو له ليرد الله حماره، فلما دخل نش الدهن فقاسوه بالعصا فكان مثلها، فقال لهم نبيهم: " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا " (3) فقالوا له: ما كنت قط أكذب منك الساعة ونحن من سبط الملك، (4) ولم يؤت سعة من المال فنتبعه؟ فقال إشمويل: " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم " فقالوا: إن كنت صادقا فأت بآية، فقال: " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " الآية، فحملته الملائكة (5) وأتت به إلى طالوت نهارا بين السماء والأرض والناس ينظرون، فأخرجه طالوت إليهم فأقروا بملكه ساخطين، وخرجوا معه كارهين، وهم ثمانون ألفا، فلما خرجوا قال لهم طالوت: " إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني " وهو نهر فلسطين، وقيل: هو الأردن، فشربوا منه إلا قليلا وهم أربعة آلاف، فمن شرب منه عطش، ومن لم يشرب منه إلا غرفة روي، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه لقيهم جالوت وكان ذا بأس شديد، فلما رأوه رجع أكثرهم وقالوا: " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده " ولم يبق معه غير ثلاث مائة و بضعة عشر رجلا عدة أهل بدر، فلما رجع من رجع قالوا: " كم من فئة قليلة غلبت
(٤٥٤)