من أمرهم واختلاف، وكانوا يتمادن أحيانا في غيهم فيسلط الله عليهم من ينتقم به منهم فإذا رجعوا إلى التوبة كفى الله (1) عنهم شر عدوهم، فكان هذا حالهم من لدن توفي يوشع بن نون إلى أن بعث الله إشمويل، وملكهم طالوت ورد عليهم التابوت، و كانت مدة ما بين وفاة يوشع إلى أن رجعت النبوة إلى إشمويل أربعمائة سنة وستين سنة، وكان من خبر إشمويل (2) أن بني إسرائيل لما طال عليهم البلاء وطمع فيهم الأعداء واخذ التابوت عنهم فصاروا بعده لا يلقون ملكا إلا خائفين، فقصدهم جالوت ملك الكنانيين، وكان ملكه ما بين مصر وفلسطين فظفر بهم وضرب عليهم الجزية وأخذ منهم التوراة، فدعوا الله أن يبعث لهم نبيا يقاتلون معه، وكان سبط النبوة هلكوا فلم يبق منهم غير امرأة حبلى فحبسوها في بيت رهبة أن تلد (3) جارية فتبدلها بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها، فولدت غلاما سمته إشمويل، ومعناه سمع الله دعائي، وسبب هذه التسمية أنها كانت عاقرا، وكان لزوجها امرأة أخرى قد ولدت له عشرة أولاد فبغت عليها بكثرة أولادها، فانكسرت العجوز ودعت الله أن يرزقها ولدا، فرحم الله تعالى انكسارها وحاضت لوقتها وقربت زوجها فحملت، (4) فلما انقضت مدة الحمل ولدت غلاما فسمته إشمويل، فلما كبر أسلمته في بيت المقدس يتعلم التوراة وكفله شيخ من علمائهم وتبناه، (5) فلما بلغ أن يبعثه الله نبيا أتاه جبرئيل وهو يصلي فناداه بصوت يشبه صوت الشيخ، فجاء إليه فقال: ما تريد؟
فكره أن يقول: لم أدع فيفزع، فقال: ارجع ونم، (6) فعاد جبرئيل لمثلها، فجاء إلى الشيخ فقال له: ما تريد؟ فقال: يا بني عد، وإذا دعوتك فلا تجبني، فلما كانت الثالثة ظهر له جبرئيل عليه السلام وأمره بإنذار قومه وأعلمه أن الله بعثه رسولا، فدعاهم فكذبوه ثم أطاعوه، فأقام يدبر أمرهم عشر سنين، وقيل: أربعين سنة، وكانت العمالقة مع ملكهم