الملك وحمل الجارية وأبويها إلى بلاد إصطخر، واجتمعت إليه الشيعة واستبشروا به ففرج الله عنهم ما كانوا فيه من حيرة غيبته، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بإذن الله تعالى ذكره، فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم، ثم غيب الله عز وجل آصف غيبة طال أمدها، ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله، ثم إنه ودعهم فقالوا له: أين الملتقى؟ قال: على الصراط، وغاب عنهم ما شاء الله، واشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلط عليهم بخت نصر فجعل يقتل من يظفر به منهم ويطلب من يهرب، ويسبي ذراريهم، فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال، واصطفى من ولد هارون عزيرا، وهم حينئذ صبية صغار، فمكثوا في يده وبنو إسرائيل في العذاب المهين، والحجة دانيال أسير في يد بخت نصر تسعين سنة، فلما عرف فضله وسمع أن بني إسرائيل ينتظرون خروجه ويرجون الفرج في ظهوره وعلى يده أمر أن يجعل في جب عظيم واسع ويجعل معه الأسد ليأكله، فلم يقربه، وأمر أن لا يطعم، فكان الله تعالى يأتيه بطعامه وشرابه على يد نبي من أنبياء بني إسرائيل، فكان يصوم دانيال النهار، ويفطر الليل (1) على ما يدلى إليه من الطعام، واشتدت البلوى على شيعته وقومه المنتظرين لظهوره، وشك أكثرهم في الدين لطول الأمد، فلما تناهى البلاء بدانيال وبقومه رأى بخت نصر في المنام كأن ملائكة من السماء قد هبطت إلى الأرض أفواجا إلى الجب الذي فيه دانيال مسلمين عليه، يبشرونه بالفرج، فلما أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال، فأمر أن يخرج من الجب فلما اخرج اعتذر إليه مما ارتكب منه من التعذيب، ثم فوض إليه النظر في أمور ممالكه والقضاء بين الناس، فظهر من كان مستترا من بني إسرائيل، ورفعوا رؤوسهم، واجتمعوا إلى دانيال عليه السلام موقنين بالفرج، فلم يلبث إلا القليل على تلك الحال حتى مضى لسبيله، وأفضى الامر بعده إلى عزير، وكانوا يجتمعون إليه، ويأنسون به، ويأخذون عنه معالم دينهم، فغيب الله عنهم شخصه مائة عام، ثم بعثه وغابت الحجج بعده، واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا عليه السلام وترعرع وظهر وله سبع سنين، فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله، وأخبرهم أن
(٤٤٨)