" وجد عليه أمة من الناس " أي جماعة من الرعاة يسقون مواشيهم الماء من البئر " تذودان " أي تحبسان وتمنعان غنمهما من الورود إلى الماء، أو عن أن تختلط بأغنام الناس، أو تذودان الناس عن مواشيهما " قال " موسى لهما: " ما خطبكما " أي ما شأنكما؟ ومالكما لا تسقيان مع الناس؟ " قالتا لا نسقي " عند المزاحمة مع الناس " حتى يصدر الرعاء " قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وابن عامر يصدر بفتح الياء وضم الدال، أي حتى يرجع الرعاء من سقيهم، والباقون يصدر بضم الياء وكسر الدال، أي حتى يصدروا مواشيهم عن وردهم فإذا انصرف الناس سقينا مواشينا من فضول الحوض " وأبونا شيخ كبير " لا يقدر أن تولى السقي بنفسه من الكبر، ولذلك احتجنا ونحن نساء أن نسقي الغنم، وإنما قالتا ذلك تعريضا للطلب من موسى أن يعينهما على السقي أو اعتذارا في الخروج بغير محرم " فسقى لهما " أي فسقى موسى غنمهما الماء لأجلهما، وهو أنه زحم القوم على الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما، وقيل: رفع لأجلهما حجرا عن بئر كان لا يقدر على رفع ذلك الحجر إلا عشرة رجال وسألهم أن يعطوه دلوا فنالوه دلوا وقالوا له: انزح إن أمكنك، وكان لا ينزحها إلا عشرة فنزحها وحده، وسقى أغنامهما ولم يسق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم " ثم تولى إلى الظل " أي ثم انصرف إلى ظل سمرة (1) فجلس تحتها من شدة الحر وهو جائع " فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " قال ابن عباس: سأل نبي الله اكلة من خبز يقيم به صلبه، وقال ابن إسحاق: فرجعتا إلى أبيهما في ساعة كانا لا ترجعان فيها فأنكر شأنهما وسألهما فأخبرتاه الخبر، فقال لإحداهما: علي به، فرجعت الكبرى إلى موسى لتدعوه فذلك قوله: " فجاءته إحديهما تمشي على استحياء " أي مستحيية معرضة عن عادة النساء الخفرات، (2) وقال: غطت وجهها بكم درعها " قالت إن أبي يدعوك ليجزيك " أي ليكافئك على سقيك لغنمنا.
وأكثر المفسرين على أن أباها شعيب عليه السلام، وقال وهب وابن جبير: هو يثروب (3)