ينفخ فيها روحه، وكذلك يجمع الاجزاء المتفرقة في البقاع المتبددة في الأصقاع بحكمته الشاملة وقدرته الكاملة، ثم إنه تعالى عاد إلى تقرير ما تقدم من دفع استبعادهم وإبطال إنكارهم وعنادهم فقال: " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا " ووجهه هو أن الانسان مشتمل على جسم يحس به وحياة سارية فيه وهو الحرارة جارية فيه فإن استبعدتم وجود حرارة وحياة فيه فلا تستبعدوه فإن النار في الشجر الأخضر الذي يقطر منه الماء أعجب وأغرب، وأنتم تحضرون حيث منه توقدون، وإن استبعدتم خلق جسمه فخلق السماوات والأرض أكبر من خلق أنفسكم فلا تستبعدوه، فإن الله خلق السماوات والأرض، فبان لطف قوله تعالى: " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " وقوله: " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم " وقد ذكر النار في الشجر على ذكر الخلق الأكبر، لان استبعادهم كان بالصريح واقعا على الاحياء حيث قالوا: من يحيي العظام؟ ولم يقولوا:
من يجمعها ويؤلفها؟ والنار في الشجر مناسب الحياة، وقوله: " الخلاق " إشارة إلى أنه في القدرة كامل، وقوله: " العليم " إشارة إلى أنه بعلمه شامل، ثم أكد بيانه بقوله:
" إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " هذا إظهار فساد تمثيلهم وتشبيههم وضرب مثلهم حيث ضربوا لله مثلا وقالوا: لا يقدر أحد على مثل هذا قياسا للغائب على الشاهد، فقال في الشاهد الخلق يكون بالآلات البدنية والانتقالات المكانية فلا تقع إلا في الأزمنة الممتدة والله يخلق بكن فيكون انتهى.
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: " وأنتم داخرون ": أي صاغرون أشد الصغار، ثم ذكر إن بعثهم يقع بزجرة واحدة فقال: " فإنما هي " إي إنما قصة البعث " زجرة واحدة " أي صيحة واحدة من إسرافيل يعني نفخة البعث، والزجرة: الصرفة عن الشئ بالمخافة، فكأنهم زجروا عن الحال التي هم فيها إلى المحشر " فإذا هم ينظرون " إلى البعث الذي كذبوا به، وقيل: فإذا هم أحياء ينتظرون ما ينزل بهم من العذاب " وقالوا " أي ويقولون معترفين بالعصيان: " يا ويلنا " من العذاب، وهو كلمة يقولها القائل عند الوقوع في الهلكة " هذا يوم الدين " أي يوم الحساب أو يوم الجزاء " هذا يوم