محمد أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال: نعم، فنزلت. والمروي عن الصادق عليه السلام أنه كان أبي بن خلف.
وقال الرازي في تفسير هذه الآيات: " أولم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة " وهو أتم نعمه فإن سائر النعم بعد وجوده، وقوله: " من نطفة " إشارة إلى وجه الدلالة وذلك لان خلقه لو كان من أشياء مختلفة الصور كان يمكن أن يقال: العظم خلق من جنس صلب واللحم من جنس رخو، وكذلك الحال في كل عضو، ولما كان خلقه من نطفة متشابهة الاجزاء وهو مختلف الصور دل على الاختيار والقدرة، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: " يسقى بماء واحد " وقوله: " فإذا هو خصيم مبين " فيه لطيفة غريبة وهي أنه تعالى قال: اختلاف صور أعضائه مع تشابه أجزاء ما خلق منه آية ظاهرة، ومع هذا فهنالك ما هو أظهر وهو نطقه وفهمه، وذلك لان النطفة جسم، فهب أن جاهلا يقول: إنه استحال و تكون جسما آخر، لكن القوة الناطقة والقوة الفاهمة من أين تقتضيها النطفة؟
فإبداع النطق والفهم أعجب وأغرب من إبداع الخلق والجسم، وهو إلى إدراك القدرة والاختيار منه أقرب، فقوله: " خصيم " أي ناطق، وإنما ذكر الخصيم مكان الناطق لأنه أعلى أحوال الناطق فإن الناطق مع نفسه لا يبين كلامه مثل ما يبينه وهو يتكلم مع غيره، والمتكلم مع غيره إذا لم يكن خصيما لا يبين ولا يجتهد مثل ما يجتهد إذا كان كلامه مع خصمه، وقوله: " مبين " إشارة إلى قوة عقله واختيار الإبانة، فإن العاقل عند الافهام أعلى درجة منه عند عدمه، لان المبين بان عنده الشئ ثم أبانه، فأن العاقل عند الافهام أعلى درجة منه عند عدمه، لان المبين بان عنده الشئ ثم أبانه، فقوله تعالى:
" من نطفة ": إشارة إلى أدنى ما كان عليه، وقوله: " خصيم مبين " إشارة إلى أعلى ما حصل عليه، ثم قوله تعالى: " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه " إشارة إلى بيان الحشر، وفي هذه الآيات إلى آخر السورة غرائب وعجائب نذكرها بقدر الامكان إن شاء الله تعالى، فنقول:
المنكرون للحشر منهم من لم يذكر فيه دليلا ولا شبهة واكتفى بالاستبعاد و ادعى الضرورة وهم الأكثرون، ويدل عليه قوله تعالى حكاية عنهم في كثير من المواضع بلفظ الاستبعاد كما قال: " وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد