نبيها فأجابت، وسئلت عن وليها وإمامها فارتج عليها، فقلت لها: ابنك ابنك.
أقول: وقال الشيخ المفيد نور الله ضريحه في شرح هذا الكلام: جاءت الأخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله أن الملائكة تنزل على المقبورين فتسألهم عن أديانهم، وألفاظ الاخبار بذلك متقاربة، فمنها أن ملكين لله تعالى يقال لهما: ناكر ونكير ينزلان على الميت فيسألانه عن ربه ونبيه ودينه وإمامه فإن أجاب بالحق سلموه إلى ملائكة النعيم، وإن ارتج عليه سلموه إلى ملائكة العذاب، وقيل في بعض الأخبار: إن اسمي الملكين اللذين ينزلان على المؤمن مبشر وبشير، وقيل: إنه إنما سمي ملكا الكافر ناكرا ونكيرا لأنه ينكر الحق، وينكر ما يأتيانه به ويكرهه، وسمي ملكا المؤمن مبشرا وبشيرا لأنهما يبشرانه من الله تعالى بالرضا والثواب المقيم، وإن هذين الاسمين ليسا بلقب لهما، وإنهما عبارة عن فعلهما، وهذه أمور تتقارب بعضها من بعض ولا تستحيل معانيها والله أعلم بحقيقة الامر فيها، وقد قلنا فيما سلف: إنما ينزل الملكان على من محض الايمان محضا، أو محض الكفر محضا، ومن سوى هذين فيلهى عنه، وبينا أن الخبر جاء بذلك فمن جهته قلنا فيه ما ذكرناه.
فصل: وليس ينزل الملكان إلا على حي ولا يسألان إلا من يفهم المسألة ويعرف معناها، وهذا يدل على أن الله تعالى يحيي العبد بعد موته للمسألة، ويديم حياته بنعيم إن كان يستحقه، أو بعذاب إن كان يستحقه (1) - نعوذ بالله من سخطه ونسأله التوفيق لما يرضيه برحمته - والغرض من نزول الملكين ومسألتهما العبد أن الله يؤكل بالعبد بعد موته ملائكة النعيم وملائكة العذاب، وليس للملائكة طريق إلى ما يستحقه العبد إلا بإعلام الله تعالى ذلك لهم، فالملكان اللذان ينزلان على العبد أحدهما من ملائكة النعيم، والآخر من ملائكة العذاب، فإذا هبطا لما وكلا به استفهما حال العبد بالمسألة