أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " (1) وإذا ثبت عذاب القبر وجب القول بثواب القبر أيضا لان العذاب حق الله تعالى على العبد، والثواب حق العبد على الله تعالى، فإسقاط العذاب أحسن من إسقاط الثواب، فحيث ما أسقط العقاب إلى القيامة بل حققه في القبر كان ذلك في الثواب أولى.
وثانيها أن المعنى لو كان على ما قيل في سائر الأقوال لم يكن لقوله: " ولكن لا تشعرون " معنى، لان الخطاب للمؤمنين وقد كانوا يعلمون أنهم سيحيون يوم القيامة، وأنهم ماتوا على هدى ونور.
وثالثها أن قوله: " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم " دليل على حصول الحياة في البرزخ مثل المبعث.
ورابعها قوله صلى الله عليه وآله: القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران والاخبار في ثواب القبر وعذابه كالمتواترة، وكان صلى الله عليه وآله يقول في آخر صلاته: وأعوذ بك من عذاب القبر.
وخامسها لو كان المراد بقوله: " إنهم أحياء " أنهم سيحيون فحينئذ لا يبقى لتخصيصهم بهذا فائدة.
وسادسها أن الناس يزورون قبور الشهداء ويعظمونها وذلك يدل من بعض الوجوه على ما ذكرناه. واعلم أن في الآية قولا آخر وهو أن ثواب القبر وعذابه للروح لا للقالب، وهذا القول مبني على معرفة الروح، ولنشر إلى حاصل قول هؤلاء، فنقول: إنهم قالوا: إنه لا يجوز أن يكون الانسان عبارة عن هذا الهيكل المخصوص لوجهين: الأول أن أجزاء هذا الهيكل أبدا في النمو والذبول والزيادة والنقصان و الاستكمال والذوبان، (2) ولا شك أن الانسان من حيث هو هو باق من أول عمره إلى آخره، والباقي غير ما هو غير باق، فالمشار إليه عند كل أحد بقوله: " أنا " وجب أن يكون مغايرا لهذا الهيكل.