تفسير: قال الطبرسي رحمه الله: قوله تعالى: " بل أحياء " فيه أقوال: أحدها - وهو الصحيح - أنهم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم الساعة، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة، وإليه ذهب الحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، واختاره الجبائي الرماني وجميع المفسرين.
الثاني: أن المشركين كانوا يقولون: أصحاب محمد يقتلون نفوسهم في الحروب بغير سبب، ثم يموتون فيذهبون، فأعلمهم الله أنه ليس الامر على ما قالوه وأنهم سيحيون يوم القيامة ويثابون، عن البلخي، ولم يذكر ذلك غيره.
والثالث: معناه: لا تقولوا: هم أموات في الدين بل هم أحياء بالطاعة والهدى، ومثله قوله سبحانه: " أو من كان ميتا فأحييناه " فجعل الضلال موتا والهداية حياة، عن الأصم.
والرابع: أن المراد أنهم أحياء لما نالوا من جميل الذكر والثناء، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: هلك خزان الأموال والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة. والمعتمد هو القول الأول لان عليه إجماع المفسرين، ولان الخطاب للمؤمنين وكانوا يعلمون أن الشهداء على الحق والهدى و أنهم ينشرون ويحيون يوم القيامة، فلا يجوز أن يقال لهم: " ولكن لا تشعرون " من حيث إنهم كانوا يشعرون بذلك ويقرون به، ولان حمله على ذلك يبطل فائدة تخصيصهم بالذكر، ولو كانوا أيضا أحياءا بما حصل لهم من جميل الثناء لما قيل أيضا: " ولكن لا تشعرون " لأنهم كانوا يشعرون بذلك، ووجه تخصيص الشهداء بكونهم أحياءا - وإن كان غيرهم من المؤمنين قد يكونون أحياءا في البرزخ - أنه على جهة البشارة بذكر حالهم ثم البيان لما يختصون به من أنهم يرزقون كما في الآية الأخرى، فإن قيل:
فنحن نرى جثث الشهداء مطروحة على الأرض لا يتصرف ولا يرى فيها شئ من علامات الاحياء! فالجواب - على مذهب من يقول بأن الانسان هو الروح من أصحابنا - أن الله تعالى جعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدنيا يتنعمون فيها دون أجسامهم التي في القبور فإن النعيم والعذاب إنما يصل عنده إلى النفس التي هي الانسان المكلف عنده، دون الجثة ويؤيده كثير من الاخبار.
وأما على مذهب من قال من أصحابنا إن الانسان هذه الجثة المشاهدة وأن الروح