هو النفس المتردد في مخارق الحيوان وهو أجزاء الجو فيقول: إنه يلطف أجزاء من الانسان لا يمكن أن يكون الحي حيا بأقل منها، يوصل إليها النعيم، وإن لم تكن تلك الجملة بكمالها لأنه لا معتبر بالأطراف وأجزاء السمن في كون الحي حيا فإن الحي لا يخرج بمفارقتها من كونه حيا، وربما قيل: بأن الجثة يجوز أن تكون مطروحة في الصورة ولا يكون ميتا فيصل إليها اللذات، كما أن النائم حي وتصل إليه اللذات مع أنه لا يحس ولا يشعر بشئ من ذلك، فيرى في النوم ما يحدثه السرور والالتذاذ، حتى أنه يود أن يطول نومه ولا ينتبه، وقد جاء في الحديث (1) أنه يفسح له مد بصره ويقال له: نم نومة العروس، وقوله: " ولكن لا تشعرون " أي لا تعلمون أنهم أحياء، وفي هذه الآية دلالة على صحة مذهبنا في سؤال القبر وإثابة المؤمن فيه وعقاب العصاة على ما تظاهرت به الاخبار، وإنما حمل البلخي الآية على حياة الحشر لانكاره عذاب القبر. انتهى كلامه رفع الله مقامه.
وقال الرازي في تفسير تلك الآية بعد نقل ما ذكره الطبرسي رحمه الله من الأقوال الأربعة واختيار القول الأول: وهذا قول أكثر المفسرين، وهذا دليل على أن المطيعين يصل ثوابهم إليهم وهم في القبر، فإن قيل: نحن نشاهد أجسادهم ميتة في القبور فكيف يصح ما ذهبتم إليه؟ قلنا: أما عندنا فالبنية ليست شرطا في الحياة، ولا امتناع في أن الله تعالى يعيد الحياة إلى كل واحد من تلك الذرات والاجزاء الصغيرة من غير حاجة إلى التركيب والتأليف، وأما عند المعتزلة فلا يبعد أن يعيد الله الحياة إلى الاجزاء التي لابد منها في مائية الحياة بغير الأطراف، ويحتمل أن يحييهم إذا لم يشاهدوا. ثم قال:
وأكثر العلماء على ترجيح هذا القول، ويدل عليه وجوه: أحدها أن الآيات الدالة على عذاب القبر كثيرة كقوله تعالى: " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " (2) و الموتان لا يحصلان إلا عند حصول الحياة في القبر، وقال تعالى: " أغرقوا فادخلوا نارا " (3) والفاء للتعقيب، وقال: " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة