عن عبد الصمد بن بشير، (1) عن فضيل بن سكرة (2) قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:
جعلت فداك إن رأيت أن تعلمني، هل كان الله جل ذكره يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده؟ فقد اختلف مواليك، فقال بعضهم: قد كان يعلم تبارك وتعالى أنه وحده قبل أن يخلق شيئا من خلقه، وقال بعضهم: إنما معنى يعلم يفعل، فهو اليوم يعلم أنه لا غيره قبل فعل الأشياء، وقالوا: إن أثبتنا أنه لم يزل عالما بأنه لا غيره فقد أثبتنا معه غيره في أزليته، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني مالا أعدوه إلى غيره، فكتب عليه السلام: ما زال الله عالما تبارك وتعالى ذكره.
بيان: قوله عليه السلام: إنما معنى يعلم يفعل أي أن تعلق علمه تعالى بشئ يوجب وجود ذلك الشئ وتحققه، فلو كان لم يزل عالما كان لم يزل فاعلا فكان معه شئ في الأزل، أو أن تعلق العلم بشئ يستدعي انكشاف ذلك الشئ، وانكشاف الشئ يستدعي نحو حصول له، وكل حصول ووجود لغيره سبحانه مستند إليه فيكون من فعله فيكون معه في الأزل شئ من فعله. فأجاب عليه السلام بأنه لم يزل عالما، ولم يلتفت إلى بيان فساد متمسك نافيه إما لظهوره أو لتعليم أنه لا ينبغي الخوض في تلك المسائل المتعلقة بذاته وصفاته تعالى فإنها مما تقصر عنه الافهام وتزل فيه الاقدام ثم اعلم أن من ضروريات المذهب كونه تعالى عالما أزلا وأبدا بجميع الأشياء كلياتها وجزئياتها من غير تغير في علمه تعالى، وخالف في ذلك جمهور الحكماء فنفوا العلم بالجزئيات عنه تعالى، (3) ولقدماء الفلاسفة في العلم مذاهب غريبة:
منها أنه تعالى لا يعلم شيئا أصلا، ومنها أنه لا يعلم ما سواه ويعلم ذاته، وذهب بعضهم إلى العكس، ومنها أنه لا يعلم جميع ما سواه وإن علم بعضه، ومنها أنه لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها، ونسب الأخير إلى أبي الحسين البصري وهشام بن الحكم كما