بيان: لعل السائل إنما سأل عن العلم على وجه الحضور بأن يكون المعلوم حاضرا موجودا فنفى عليه السلام ذلك ثم أثبت كونه تعالى أزلا متصفا بالعلم لكن لامع وجود المعلوم وحضوره، وكذا السمع والبصر، ثم اعلم أن السمع والبصر قد يظن أنهما نوعان من الادراك لا يتعلقان إلا بالموجود العيني فهما من توابع الفعل فيكونان حادثين بعد الوجود، ومع قطع النظر عن المفاسد التي ترد عليه لا يوافق الأخبار الكثيرة الدالة صريحا على قدمهما، وكونهما من صفات الذات فهما إما راجعان إلى العلم بالمسموع والمبصر وإنما يمتازان عن سائر العلوم بالمتعلق، أو أنهما ممتازان عن غيرهما من العلوم لا بمجرد المتعلق المعلوم بل بنفسهما لكنهما قديمان يمكن تعلقهما لمعدوم كسائر العلوم، وبعد وجود المسموع والمبصر يتعلقان بهما من حيث الوجود والحضور.
ولا تفاوت بين حضورهما باعتبار الوجود وعدمه فيما يرجع إلى هاتين الصفتين كما مر في العلم بالحوادث آنفا، نعم لما كان هذان النوعان من الادراك في الانسان مشروطين بشرائط لا يتصور في المعدوم كالمقابلة وتوسط الشفاف في البصر لم يمكن تعلقه بالمعدوم، ولا يشترط شئ من ذلك في إبصاره تعالى فلا يستحيل تعلقه بالمعدوم وكذا السمع. وقيل:
يحتمل أن يكون المراد بكون السمع والبصر قديما أن إمكان إبصار المبصرات الموجودة وسماع المسموعات الموجودة وما يساوق هذا المعنى قديم فإذا تحقق المبصر صار مبصرا بالفعل بخلاف العلم فإن تعلقه بجميع المعلومات قديم، ويرد عليه أن الفرق بين العلم والسمع والبصر على هذا الوجه بعيد عن تلك الأخبار الكثيرة المتقدمة. والله تعالى يعلم وحججه عليهم السلام أقول: سيأتي خبر سليمان المروزي في أبواب الاحتجاجات وهو يناسب هذا الباب.