فإن قيل: فلم أضاف السؤال إلى نفسه ووقع الجواب مختصا به؟ قلنا: لا يمتنع وقوع الإضافة على هذا الوجه، مع أن السؤال كان لأجل الغير إذا كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس، فلهذا يقول أحدنا - إذا شفع في حاجة غيره - للمشفوع إليه: أسألك أن تفعل بي كذا وتجيبني إلى ذلك، ويحسن أن يقول المشفوع إليه: قد أجبتك وشفعتك، وما جرى مجرى ذلك، على أنه قد ذكر في الخبر ما يغني عن هذا الجواب.
وأما ما يورد في هذا المقام من أن السؤال إذا كان للغير فأي جرم كان لموسى حتى تاب منه؟ فأجاب عليه السلام بحمل التوبة على معناه اللغوي أي الرجوع أي كنت قطعت النظر عما كنت أعرفه من عدم جواز رؤيتك، وسألت ذلك للقوم فلما انقضت المصلحة في ذلك تركت هذا السؤال ورجعت إلى معرفتي بعدم جواز رؤيتك وما تقتضيه من عدم السؤال.
وأجاب السيد قدس الله روحه عنه بأنه يجوز أن يكون التوبة لأمر آخر غير هذا الطلب، أو يكون ما أظهره من التوبة على سبيل الرجوع إلى الله تعالى، وإظهار الانقطاع إليه، والتقرب منه، وإن لم يكن هناك ذنب. والحاصل أن الغرض من ذلك إنشاء التذلل والخضوع، ويجوز أن يضاف إلى ذلك تنبيه القوم المخطئين على التوبة مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه، بل أقول: يحتمل أن تكون التوبة من قبلهم كما كان السؤال كذلك.
الثاني: أنه عليه السلام لم يسأل الرؤية بل تجوز بها عن العلم الضروري لأنه لازمها، وإطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع سيما استعمال رأى بمعنى علم وأرى بمعنى أعلم والحاصل أنه سأله أن يعلمه نفسه ضرورة بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلى المعرفة، فتزول عنه الدواعي والشكوك، ويستغني عن الاستدلال كما سأل إبراهيم عليه السلام: " رب أرني كيف تحيي الموتى " الثالث: أن في الكلام مضافا محذوفا أي أرني آية من آياتك أنظر إلى آيتك، و حاصلة يرجع إلى الثاني.
الرابع: أنه عليه السلام سأل الرؤية مع علمه بامتناعها لزيادة الطمأنينة بتعاضد دليل