كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، (1) من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه منقلبه، لم ترك العيون فتخبر عنك بل كنت قبل الواصفين من خلقك، لم تخلق الخلق لوحشة، ولا استعملتهم لمنفعة، ولا يسبقك من طلبت، ولا يفلتك من أخذت، (2) ولا ينقص سلطانك من عصاك، ولا يزيد في ملكك من أطاعك، ولا يرد أمرك من سخط قضاءك، ولا يستغني عنك من تولى عن أمرك، كل سر عندك علانية، وكل غيب عندك شهادة، أنت الأبد لا أمد لك، وأنت المنتهى لا محيص عنك، (3) وأنت الموعد لا منجأ منك إلا إليك، بيدك ناصية كل دابة، وإليك مصير كل نسمة، سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك، وما أصغر عظمه في جنب قدرتك، وما أهول ما نرى من ملكوتك، وما أحقر ذلك فيما غاب عنا من سلطانك، وما أسبغ نعمتك في الدنيا، وما أصغرها في نعم الآخرة.
بيان: قوله: فإليه منقلبه أي انقلابه. قوله عليه السلام: بل كنت قبل الواصفين قيل:
أي لما كان سبحانه قبل الموجودات قديما أزليا لم يكن جسما ولا جسمانيا فاستحال رؤيته، وقال بعض الأفاضل: يحتمل أن يكون المراد أن العلم بوجودك ليس من جهة أخبار العيون، بل من جهة أنك قبل الأشياء ومبدأ الممكنات. أقول: يمكن أن يكون المعني أنه لو كان العلم بوجودك من جهة الرؤية لما علم تقدمك على الواصفين، إذ الرؤية إنما تفيد العلم بوجود المرئي حين الرؤية، فلا تفيد للرائين الواصفين العلم بكونه موجودا قبلهم.
قوله عليه السلام: ولا يسبقك أي لا يفوتك هربا. قوله عليه السلام: ولا يفلتك أي لا يفلت منك فإن أفلت لازم. قوله عليه السلام: أمرك أي قدرك الذي قدرت قوله عليه السلام: عن أمرك أي الامر التكليفي. قوله عليه السلام: وأنت المنتهي أي في العلية، أو ينتهي إليك أخبارهم وأعمالهم، أو ينتهون إليك بعد الحشر. وقال الجزري: كل دابة فيها روح فهي نسمة، وقد يراد بها الانسان.