بأن جعل له مماثلا ومشابها من خلقه فهو مشرك لما عرفت مرارا من لزوم تركبه تعالى وكونه ذا حقائق مختلفة وذا أجزاء، تعالى الله عن ذلك، ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنه لا يمكن الوصول إلى حقيقته تعالى بوجه من الوجوه لا بحجاب ورسول يبين ذلك، ولا بصورة عقلية ولا خيالية إذ لابد بين المعرف والمعرف من مماثلة وجهة اتحاد وإلا فليس ذلك الشئ معرفا أصلا، والله تعالى مجرد الذات عن كل ما سواه فحجابه ومثاله وصورته غيره من كل وجه إذ لا مشاركة بينه وبين غيره في جنس أو فصل أو مادة أو موضوع أو عارض، وإنما هو واحد موحد فرد عما سواه، فإنما يعرف الله بالله إذا نفى عنه جميع ما سواه وكل ما وصل إليه عقله كما مر أنه التوحيد الخالص.
وقال بعض المحققين: من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال أي بحقيقة من الحقائق الامكانية كالجسم والنور، أو بصفة من صفاتها التي هي عليها كما أسند إلى القائلين بالصورة، أو بصفة من صفاتها عند حصولها في العقل كما في قول الفلاسفة في رؤية العقول المفارقة فهو مشرك لان الحجاب والصورة والمثال كلها مغائرة له غير محمولة عليه فمن عبد الموصوف بها عبد غيره فكيف يكون موحدا له عارفا به؟ إنما عرف الله من عرفه بذاته وحقيقته المسلوب عنه جميع ما يغايره فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يكون يعرف غيره.
أقول: لا يخفى أن هذا الوجه وما أوردته سابقا من الاحتمالات التي سمحت بها قريحتي القاصرة لا يخلو كل منها من تكلف، (1) وقد قيل فيه وجوه أخر أعرضت