لا يقال: لعل انتفاء إرادة الاخر واجب بنفسه، ولا نسلم منافاة توسط الواجب بالذات بين الفاعل وفعله، لاستقلاله واستلزامه النقص. لأنا نقول: الأول بين البطلان فإن تحقق إرادة الاخر وانتفاعها ممكن في نفسه لكنه ينتفي فيما نحن فيه من قبل ذي الإرادة لو انتفى فيكون واسطة ممكنة غير صادرة عن الفاعل ولا مستندة إليه، وأما الثاني فربما تدعى البداهة في استلزامه النقص وهو غير بعيد وبهذا التقرير يندفع كثير من الشكوك والشبه.
الخامس: تقرير آخر لبرهان التمانع ذكره المحقق الدواني، وهو أنه لا يخلو أن يكون قدرة كل واحد منهما وإرادته كافية في وجود العالم، أو لا شئ منهما كاف، أو أحدهما كاف فقط، وعلى الأول يلزم اجتماع المؤثرين التأمين على معلول واحد، وعلى الثاني يلزم عجزهما لأنهما لا يمكن لهما التأثير إلا باشتراك الاخر، وعلى الثالث لا يكون الاخر خالقا فلا يكون إلها، أفمن يخلق كمن لا يخلق؟.
لا يقال: إنما يلزم العجز إذا انتفت القدرة على الايجاد بالاستقلال أما إذا كان كل منهما قادرا على الايجاد بالاستقلال ولكن اتفقا على الايجاد بالاشتراك فلا يلزم العجز كما أن القادرين على حمل خشبة بالانفراد قد يشتركان في حملها، وذلك لا يستلزم عجزهما لان إرادتهما تعلقت بالاشتراك، وإنما يلزم العجز لو أرادا الاستقلال ولم يحصل. لأنا نقول: تعلق إرادة كل منهما إن كان كافيا لزم المحذور الأول، وإن لم يكن كافيا لزم المحذور الثاني، والملازمتان بينتان لا تقبلان المنع، وما أوردتم من المثال في سند المنع لا يصلح للسندية إذ في هذه الصورة ينقص ميل كل واحد منهما من الميل الذي يستقل في الحمل قدر ما يتم الميل الصادر من الاخر حتى تنقل الخشبة بمجموع الميلين، وليس كل واحد منهما بهذا القدر من الميل فاعلا مستقلا، وفي مبحثنا هذا ليس المؤثر إلا تعلق القدرة والإرادة، ولا يتصور الزيادة والنقصان في شئ منهما السادس: أن كل من جاء من الأنبياء وأصحاب الكتب المنزلة إنما ادعى الاستناد إلى واحد أسند إليه الاخر، ولو كان في الوجود واجبان لكان يخبر مخبر من قبله بوجوده وحكمه، واحتمال أن يكون في الوجود واجب لا يرسل إلى هذا العالم أو لا يؤثر ولا