بما هي أعدام لا تمايز بينها ولا تمييز بها، فإذا فرض قديمان فلا أقل من وجود أمر ثالث يوجد لأحدهما، ويسلب عن الاخر، وهو المراد بالفرجة إذ به يحصل الانفراج أي الافتراق بينهما لوجوده في أحدهما وعدمه في الاخر، وهو أيضا لا محالة قديم موجود معهما، وإلا لم يكونا اثنين قديمين فليزم أن يكون القدماء ثلاثة وقد فرض اثنان وهذا خلف، ثم يلزم من فرض كونهم ثلاثة أن يكونوا خمسة، وهكذا إلى أن يبلغ عددهم إلى ما لا نهاية له وهو محال.
أقول: الأظهر على هذا التقرير أن تحمل الوحدة في قوله عليه السلام: على أن المدبر واحد على الأعم من الوحدة النوعية والشخصية، ولو حملت على الشخصية يمكن أن يستخرج منه ثلاث حجج بهذا التقرير ولا يخفى توجيهها.
الرابع: أن يكون إشارة إلى ثلاث حجج لكن على وجه آخر، وتقرير الأول أنه لو كان اثنين فإما أن يكونا قويين أي مستقلين بالقدرة على كل ممكن في نفسه سواء كان موافقا للمصلحة أو مخالفا، وهو إنما يتصور بكونهما قديمين، وإما أن يكونا ضعيفين أي غير مستقلين بالقدرة على ممكن ما في نفسه، وإما أن يكون أحدهما قويا والاخر ضعيفا، والأول محال لاشتماله على التناقض، لان كون كل منهما قويا بهذا المعنى يستلزم أن يكون قويا على دفع الاخر عن أن يصدر عنه مراد الأول بعينه أو مثله أو ضده في محله لأن عدم المنافي شرط في صدور كل ممكن، وعدم القوة على الشرط ينافي القوة على المشروط ولا شك أن المدفوع كذلك ضعيف مسخر، فقوة كل منهما في فعل صدر عنه يستلزم دفعه الاخر فيه وضعف ذلك الاخر، وفي فعل تركه حتى فعل الاخر ضده يستلزم تمكينه الاخر في فعله، وهذا تفرد بالتدبير، فالاستفهام في لم لا يدفع إنكاري أي معلوم ضرورة أنه يدفع كل منهما الاخر ويتفرد بالتدبير، وبطلان الشق الثالث لكونه مستلزما لعجز أحدهما أي ضعفه، وعدم كونه ممن ينتهي إليه شئ من تدبير العالم يستلزم بطلان الشق الثاني بطريق أولى. وتقرير الثاني هو أنه لو كان المدبر اثنين فنسبة معلول معلول إليهما إما متساوية من جميع الوجوه بأن لا يكون في واحد منهما ولا في كل منهما ما يختص به ويرجح صدوره عنه على صدوره عن الاخر من الداعي والمصلحة