عكس ذلك لان الأبدان عندهم من فعل الظلمة، ولا نحكم بقدرة الرب وعلمه وحكمته إلا بما نشاهد من تلك الأبدان المختلفة، والأشجار والثمار، والطيور والدواب، ولا نشاهد مما يقولون من الأرواح شيئا، فيلزمهم على قياس ذلك أن تكون الظلمة إلها قادرا حكيما عليما. فقوله عليه السلام: من صور مبتدأ، وقوله: يجب أن يكون إلها خبره. وقوله: كل شئ معطوف على قوله: هذا الخلق.
الخامس: قولهم: بأن النور في حبس الظلمة ينافي القول بربوبيته لان كونه محبوسا يستلزم عجزه ونقصه، وكل منهما ينافي الربوبية كما مر، وما ادعوا من أنه في القيامة يغلب النور عليها فمع أنه لا ينفع في دفع الفساد فهو دعوى من غير حجة. وأيضا يلزمهم أن لا يكون للنور فعل لأنه أسير. وإن قالوا: بأن له أيضا فعلا من الخلق والتدبير فليس بأسير لان العقل يحكم بأن الخالق المدبر لابد من أن يكون عزيزا منيعا قادرا قاهرا على كل من سواه فلما ثبت على قياس قولهم أنه أسير فيلزمهم بما قررنا أن يكون ما في العالم من الاحسان والخير أيضا من فعل الظلمة، فإن حكموا باستحالة ذلك أي كون الخير من الظلمة فقد بطل أصل كلامهم، وهو الحكم بتوزيع الخلق، وثبت ما قلناه: من أن الرب تعالى واحد لا يشاركه ولا يضاده في ملكه أحد.
وأما مذهب المرقوبية فقد بين عليه السلام بطلانه بأن القول بالحكم ينافي القول بربوبية النور، لان الحكم يكون قاهرا والنور مقهورا، وبديهة العقل حاكمة ببطلان كون الرب مقهورا. وأيضا يلزم أن يكون الحكم اعلم بالحكمة من النور الذي حكمتم أنه رب، والضرورة قاضية بأن الرب الخالق لمثل هذا الخلق المدبر لهذا النظام لا يكون جاهلا. هذا جملة القول في هذا الخبر على ما ناله فهمي القاصر، وبسط القول فيه يحتاج إلى كتاب مفرد معمول لذلك. والله الموفق لكل خير.
6 - تفسير علي بن إبراهيم: ثم رد على الثنوية الذين قالوا بإلهين فقال تعالى: ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض. قال:
لو كان إلهين كما زعمتم لكانا يخلقان، فيخلق هذا ولا يخلق هذا، ويريد هذا ولا يريد هذا، ولطلب كل واحد منهما الغلبة، وإذا أراد أحدهما خلق إنسان وأراد الآخر