بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٢٤
ثم فسره فقال: لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. لم يلد لم يخرج منه شئ كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، ولا شئ لطيف كالنفس، ولا يتشعب منه البداوات، (1) كالسنة والنوم، والخطرة والهم، والحزن والبهجة، والضحك والبكاء، والخوف والرجاء، والرغبة والسأمة، والجوع والشبع، تعالى أن يخرج منه شئ، وأن يتولد منه شئ كثيف أو لطيف. ولم يولد لم يتولد من شئ، ولم يخرج منه شئ كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشئ من الشئ، والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار، ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، والسمع من الاذن، والشم من الانف، والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتمييز من القلب، وكالنار من الحجر. لا بل هو الله الصمد الذي لا من شئ ولا في شئ ولا على شئ، مبدع الأشياء وخالقها، ومنشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، ولم يكن له كفوا أحد.
15 - قال وهب بن وهب القرشي: سمعت الصادق عليه السلام يقول: قدم وفد من فلسطين (2) على الباقر عليه السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم، ثم سألوه عن الصمد فقال:
تفسيره فيه الصمد خمسة أحرف، فالألف دليل على إنيته، وهو قوله عز وجل: شهد الله أنه لا إله إلا هو، وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس، واللام دليل على إلهيته بأنه هو الله، والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع، ويظهران في الكتابة دليلان على أن إلهيته لطيفة خافية لا يدرك بالحواس، ولا يقع في لسان واصف، ولا اذن سامع لان تفسير الاله هو الذي أله الخلق عن درك مائيته وكيفيته بحس أو بوهم، لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة فهو دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق، وتركيب أرواحهم اللطيفة

(1) البداوات: الآراء المختلفة. ولعله أراد به الحالات المختلفة، وفى بعض النسخ: البدوات:
(2) الوفد بفتح الواو وسكون الفاء: قوم يجتمعون فيردون البلاد.
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»
الفهرست