العفونات القذرة، قال: وملك ذلك العالم هو روحه، ويجمع عالمه الشر والذميمة و الظلمة.
ثم اختلفت المانوية في المزاج وسببه، والخلاص وسببه، قال بعضهم إن النور والظلام امتزجا بالخبط والاتفاق لا بالقصد والاختيار، وقال أكثرهم: إن سبب الامتزاج أن أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغل فنظرت الروح فرأت الأبدان على ممازجة النور، فأجابتها لاسراعها إلى الشر، فلما رأى ذلك ملك النور وجه إليها ملكا من ملائكته في خمسة أجزاء من أجناسها الخمسة، فاختلطت الخمسة النورية بالخمس الظلامية، فخالط الدخان النسيم، وإنما الحياة والروح في هذا العالم من النسيم، والهلاك والآفات من الدخان، وخالط الحريق النار، والنور الظلمة، والسموم الريح، والضباب الماء. فما في العالم من منفعة وخير وبركة فمن أجناس النور، وما فيه من مضرة وشر وفساد فمن أجناس الظلمة، فلما رأى ملك النور هذه الامتزاج أمر ملكا من ملائكته فخلق هذا العالم على هذه الهيئة ليخلص أجناس النور من أجناس الظلمة، وإنما سارت الشمس والنجوم والقمر لاستصفاء أجزاء النور من أجزاء الظلمة. هذا ما ذكر الشهرستاني من تحقيق مذهبهم مع خرافات آخر نقلها عنهم.
وقال ابن أبي الحديد: قالت المانوية: إن النور لا نهاية له من جهة فوق وأما من جهة تحت فله نهاية، والظلمة لا نهاية لها من جهة أسفل وأما من جهة فوق فلها نهاية، وكان النور والظلمة هكذا قبل خلق العالم وبينهما فرجة، وإن بعض أجزاء النور اقتحم تلك الفرجة لينظر إلى الظلمة فأشرقت الظلمة فأقبل عالم كثير من النور فجاءت الظلمة ليستخلص المأمورين من تلك الأجزاء، (1) وطاعت الحرب واختلط كثير من أجزاء النور بكثير من أجزاء الظلمة، فاقتضى حكمة نور الأنوار وهو الباري سبحانه عندهم أن عمل الأرض من لحوم القتلى، والجبال من عظامهم، والبحار من صديدهم (2) ودمائهم، والسماء من جلودهم، وخلق الشمس والقمر وسيرهما لاستصفاء ما في العالم