الحكم، لأنه لا يحتاج إلى الحاكم إلا مغلوب، أو جاهل، أو مظلوم، وهذه مقالة المدقونية (1) والحكاية عنهم تطول.
قال: فما قصة ماني؟ قال: متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية، (2) فأخطأ الملتين ولم يصب مذهبا واحدا منهما، وزعم أن العالم دبر من إلهين:
نور وظلمة، وأن النور في حصار من الظلمة على ما حكينا منه فكذبته النصارى وقبلته المجوس. الخبر. (3) توضيح وتحقيق: اعلم أنه عليه السلام أشار في هذا الخبر إلى إبطال مذاهب ثلاث فرق من الثنوية ولنحقق أصل مذاهبهم ليتضح ما أفاده عليه السلام في الرد عليهم.
الأول: مذهب الديصانية وهم أصحاب ديصان، وهم أثبتوا أصلين: نورا و ظلاما، فالنور يفعل الخير قصدا واختيارا، والظلام يفعل الشر طبعا واضطرارا، فما كان من خير ونفع وطيب وحسن فمن النور، وما كان من شر وضر ونتن وقبح فمن الظلام، وزعموا أن النور حي عالم قادر حساس دراك، ومنه تكون الحركة والحياة، والظلام ميت جاهل عاجز جماد موات، لا فعل لها ولا تمييز، وزعموا أن الشر يقع منه طباعا، وزعموا أن النور جنس واحد، وكذلك الظلام جنس واحد، وأن إدراك النور إدراك متفق، وأن سمعه وبصره هو حواسه، وإنما قيل: سميع بصير لاختلاف التركيب لا لأنهما في نفسهما شيئان مختلفان.
وزعموا أن اللون هو الطعم وهو الرائحة وهو المجسة (4) وأنما وجده لونا لان الظلمة خالطته ضربا من المخالطة، ووجده طعما لأنها خالطته بخلاف ذلك الضرب، وكذلك يقول في لون الظلمة وطعمها ورائحتها ومجستها، وزعموا أن النور بياض كله، وأن الظلمة سواد كلها، وزعموا أن النور لم يزل يلقي الظلمة بأسفل صفيحة منه، وأن الظلمة لم تزل تلقاه بأعلى صفيحة منها.