بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٩٤
والسماء المسقفة فوقنا راكدة في الهواء، وما دونها من الأرض المبسوطة، وما عليها من الخلق الثقيل، وهي راكدة لا تتحرك، غير أنه ربما حرك فيها ناحية، والناحية الأخرى ثابتة، وربما خسف منها ناحية والناحية الأخرى قائمة، يرينا قدرته ويدلنا بفعله على معرفته، فلهذا سمي قويا لا لقوة البطش المعروفة من الخلق، ولو كانت قوته تشبه قوة الخلق لوقع عليه التشبيه، وكان محتملا للزيادة، وما احتمل الزيادة كان ناقصا وما كان ناقصا لم يكن تاما، وما لم يكن تاما كان عاجزا ضعيفا، والله عز وجل لا يشبه بشئ، وإنما قلنا: إنه قوي للخلق القوي، وكذلك قولنا، العظيم والكبير، ولا يشبه بهذه الأسماء الله تبارك وتعالى.
قال: أفرأيت قوله: سميع بصير عالم؟ قلت: إنما يسمى تبارك وتعالى بهذه الأسماء لأنه لا يخفى عليه شئ مما لا تدركه الابصار من شخص صغير أو كبير، أو دقيق أو جليل، ولا نصفه بصيرا بلحظ عين كالمخلوق، وإنما سمي سميعا لأنه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، يسمع النجوى، ودبيب النمل على الصفا، (1) وخفقان الطير في الهواء (2) لا تخفى عليه خافية ولا شئ مما أدركته الاسماع والابصار وما لا تدركه الاسماع والابصار، ماجل من ذلك وما دق، وما صغر وما كبر، ولم نقل سميعا بصيرا كالسمع المعقول من الخلق، وكذلك إنما سمي عليما لأنه لا يجهل شيئا من الأشياء، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، علم ما يكون وما لا يكون، وما لو كان كيف يكون، ولم نصف عليما بمعنى غريزة يعلم بها، كما أن للخلق غريزة يعلمون بها، فهذا ما أراد من قوله: عليم، فعز من جل عن الصفات، ومن نزه نفسه عن أفعال خلقه فهذا هو المعنى، ولولا ذلك ما فصل بينه وبين خلقه فسبحانه وتقدست أسماؤه قال: إن هذا لكما تقول ولقد علمت أنما غرضي أن أسأل عن رد الجواب فيه عند مصرف يسنح عني، فأخبرني لعلي أحكمه فيكون الحجة قد انشرحت للمتعنت المخالف، أو السائل المرتاب، أو الطالب المرتاد، مع ما فيه لأهل الموافقة من الازدياد. فأخبرني عن قوله:
لطيف، وقد عرفت أنه للفعل، ولكن قد رجوت أن تشرح لي ذلك بوصفك. قلت: إنما

(1) الصفا: الحجر الصلد الضخم.
(2) خفق الطير: ضرب بجناحيه.
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309