والسماء المسقفة فوقنا راكدة في الهواء، وما دونها من الأرض المبسوطة، وما عليها من الخلق الثقيل، وهي راكدة لا تتحرك، غير أنه ربما حرك فيها ناحية، والناحية الأخرى ثابتة، وربما خسف منها ناحية والناحية الأخرى قائمة، يرينا قدرته ويدلنا بفعله على معرفته، فلهذا سمي قويا لا لقوة البطش المعروفة من الخلق، ولو كانت قوته تشبه قوة الخلق لوقع عليه التشبيه، وكان محتملا للزيادة، وما احتمل الزيادة كان ناقصا وما كان ناقصا لم يكن تاما، وما لم يكن تاما كان عاجزا ضعيفا، والله عز وجل لا يشبه بشئ، وإنما قلنا: إنه قوي للخلق القوي، وكذلك قولنا، العظيم والكبير، ولا يشبه بهذه الأسماء الله تبارك وتعالى.
قال: أفرأيت قوله: سميع بصير عالم؟ قلت: إنما يسمى تبارك وتعالى بهذه الأسماء لأنه لا يخفى عليه شئ مما لا تدركه الابصار من شخص صغير أو كبير، أو دقيق أو جليل، ولا نصفه بصيرا بلحظ عين كالمخلوق، وإنما سمي سميعا لأنه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، يسمع النجوى، ودبيب النمل على الصفا، (1) وخفقان الطير في الهواء (2) لا تخفى عليه خافية ولا شئ مما أدركته الاسماع والابصار وما لا تدركه الاسماع والابصار، ماجل من ذلك وما دق، وما صغر وما كبر، ولم نقل سميعا بصيرا كالسمع المعقول من الخلق، وكذلك إنما سمي عليما لأنه لا يجهل شيئا من الأشياء، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، علم ما يكون وما لا يكون، وما لو كان كيف يكون، ولم نصف عليما بمعنى غريزة يعلم بها، كما أن للخلق غريزة يعلمون بها، فهذا ما أراد من قوله: عليم، فعز من جل عن الصفات، ومن نزه نفسه عن أفعال خلقه فهذا هو المعنى، ولولا ذلك ما فصل بينه وبين خلقه فسبحانه وتقدست أسماؤه قال: إن هذا لكما تقول ولقد علمت أنما غرضي أن أسأل عن رد الجواب فيه عند مصرف يسنح عني، فأخبرني لعلي أحكمه فيكون الحجة قد انشرحت للمتعنت المخالف، أو السائل المرتاب، أو الطالب المرتاد، مع ما فيه لأهل الموافقة من الازدياد. فأخبرني عن قوله:
لطيف، وقد عرفت أنه للفعل، ولكن قد رجوت أن تشرح لي ذلك بوصفك. قلت: إنما