شتى كحرث الأرض، وضرب اللبن، وقطع الخشب، وما أشبه ذلك فجعل ضوء القمر معونة للناس على معايشهم إذا احتاجوا إلى ذلك، وانسا للسائرين، وجعل طلوعه في بعض الليل دون بعض، ونقص مع ذلك من نور الشمس وضيائها لكيلا تنبسط الناس في العمل انبساطهم بالنهار، ويمتنعوا من الهدء والقرار فيهلكهم ذلك وفي تصرف القمر خاصة في مهله (1) ومحاقه وزيادته ونقصانه وكسوفه من التنبيه على قدرة الله خالقه المصرف له هذا التصريف لصلاح العالم ما يعتبر به المعتبرون.
ايضاح: الدولة بالفتح والضم: انقلاب الزمان، ودالت الأيام: دارت، والله يداولها بين الناس. وهدأ كمنع هدءا وهدوءا: سكن. ويقال: نكيت في العدو نكاية إذا قتلت فيهم وجرحت. وجثم الانسان والطائر والنعام، يجثم جثما وجثوما: لزم مكانه لم يبرح، والمراد جثومهم في الليل. والتظاهر: التعاون. ونور الشجر أي أخرج نوره. وحدم النار: شدة احتراقها. والتقصي: بلوغ أقصى الشئ ونهايته. والغابر الباقي والماضي، والمراد هنا الثاني. وبزغت الشمس بزوغا: شرقت، أو البزوغ ابتداء الطلوع. وقال الجوهري: اعتل عليه واعتله: إذا اعتاقه عن أمر. انتهى. وليلة داجية أي مظلمة.
فكر يا مفضل في النجوم واختلاف مسيرها فبعضها لا تفارق مراكزها من الفلك ولا تسير إلا مجتمعة، وبعضها مطلقة تنتقل في البروج وتفترق في مسيرها فكل واحد منها يسير سيرين مختلفين: أحدهما عام مع الفلك نحو المغرب، والآخر خاص لنفسه نحو المشرق، كالنملة التي تدور على الرحى فالرحى تدور ذات اليمين والنملة تدور ذات الشمال والنملة في تلك تتحرك حركتين مختلفتين: إحديهما بنفسها فتتوجه أمامها، والأخرى مستكرهة مع الرحى تجذبها إلى خلفها، فاسئل الزاعمين أن النجوم صارت على ما هي عليه بالاهمال من غير عمد ولا صانع لها ما منعها أن تكون كلها راتبة؟ أو تكون كلها منتقلة؟ فإن الاهمال معنى واحد فكيف صار يأتي بحركتين مختلفتين على وزن وتقدير؟
ففي هذا بيان أن مسير الفريقين على ما يسيران عليه بعمد وتدبير وحكمة وتقدير، وليس بإهمال كما تزعم المعطلة.