أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلت مدته، وانقطع أثره، وضاجع عمله، وصار حليف حفرته، رهين خطيئته، وبقيت أوزاره وتبعاته، وحصل على ما قدم وندم حيث لا ينفعه الندم، وشغلنا الحزن له عن الحزن عليه، فليت شعري ماذا قال وما قيل له، فهل عوقب بإساءته، وجوزي بعمله، وذلك ظني.
ثم اختنقته العبرة، فبكى طويلا وعلا نحيبه، ثم قال: وصرت أنا ثالث القوم، والساخط علي أكثر من الراضي، وما كنت لأتحمل آثامكم، ولا أراني الله تعالى جلت قدرته متقلدا أو زاركم، وألقاه بتبعاتكم، فشأنكم أمركم، فخذوه ومن رضيتم به عليكم فولوه، فقد خلعت بيعتي عن أعناقكم، والسلام.
فقال له مروان بن الحكم وكان تحت المنبر: أسنة عمرية يا أبا ليلى، فقال: عد عني أعن ديني تخد عني، فوالله ما ذقت حلاوة خلافتكم فأتجرع مرارتها، ائتني برجال مثل رجال عمر، على أنه ما كان خبر جعلها شورى وصرفها عمن لا يشك في عدالته ظلما، والله لئن كانت الخلافة نعيما لقد نال أبي منها مغرما ومأثما، ولئن كانت شرا فحسبه منها ما أصابه.
ثم نزل، فدخل عليه أقاربه وأمه، فوجدوه يبكي، فقالت له أمه: ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك، فقال: وددت والله ذلك، ثم قال: ويلي ان لم يرحمني ربي.
ثم إن بني أمية قالوا لمؤدبه عمر القصوص: أنت علمته هذا ولقنته إياه، وصددته من الخلافة، وزينت له حب علي وأولاده، وحملته على ما وسمنا به من الظلم، وحسنت له البدع حتى نطق بما نطق وقال بما قال، فقال: والله ما فعلته ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي رضي الله عنه، فلم يقبلوا منه ذلك، وأخذوه ودفنوه حيا حتى مات.
وتوفي معاوية بن يزيد بعد خلع نفسه بأربعين ليلة، وقيل: تسعين ليلة، وكان عمره ثلاثا وعشرين سنة، وقيل: إحدى وعشرين سنة، وقيل: ثمانية عشر سنة، ولم يعقب رحمة الله عليه ورضوانه.