عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي - ج ١ - الصفحة ٣٣٤
(94) وفي حديث عنهم عليهم السلام: (ان المراد بالذاكر من إذا عرض له معصيته، ذكر الله وتركها لأجله. وإذا عرض له طاعة، ذكر الله ففعلها لأجله).
(95) وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (سجدة الشكر واجبة (1) على كل مسلم، تتم بها صلاتك، وترضي بها ربك، وتعجب الملائكة منك. وان العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر، فتح الرب الحجاب بين الملائكة و بين العبد) (2).
(96) وروي عن علي عليه السلام انه كان يقول إذا سجد سجدتي الشكر:
(وعظتني فلم اتعظ وزجرتني عن محارمك، فلم أنزجر وغمرتني أياديك فما شكرت. عفوك عفوك يا كريم) (3) (4).

(1) المراد بالوجوب هنا شدة الاستحباب، إذ لم يقل بوجوبها أحد. (معه) (2) الوسائل، كتاب الصلاة باب (1) من أبواب سجدتي الشكر قطعة من حديث 5.
(3) المستدرك كتاب الصلاة باب (5) من أبواب سجدتي الشكر قطعة من حديث 27.
(4) فيه إيماء على جواز صدور الذنب عنه عليه السلام، وفي صحيفة زين العابدين عليه السلام مثله أيضا سيما دعاءه في الاستقالة من الذنوب، وكان موسى بن جعفر عليهما السلام يقول في سجود الشكر: " رب عصيتك بلساني ولو شئت لأخرستني، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني إلى آخره. وورد أيضا مثله من الخليل وعن الكليم وعن داود وعن أكثر الأنبياء وجميع الأئمة صلوات الله عليهم ما يوهم هذا المعنى وقد ذكرنا في شرح الصحيفة، وشرحي التهذيب والاستبصار وجوها كثيرة و أردنا أن لا يخلو هذا الكتاب من ذكر بعضها فلنذكر منها أوجها الأول: ان الذي صدر من الأنبياء والأئمة عليهم السلام من البكاء والاعتراف بالذنوب من باب تعليم الناس وارشادهم إلى كيفية هذه الطاعة، وان النبي صلى الله عليه وآله كان يتصاغر في الكلام والأفعال للصبيان والأطفال، كما روى أن الحسين عليه السلام في حال طفوليته أخذ تمرة من تمر الصدقة، ووضع في فيه،، فقال له: " كخ كخ يا حسين " فأخرجها من فمه ورما بها، وكان يمشي على يديه ورجليه، والحسن والحسين راكبان على ظهره وهو يمشي بهما ويقول: نعم الجمل جملكما، وأمثال هذا كثير.
ذكر هذا الوجه الفاضل الغزالي في بكاء داود (ع) واقراره بالذنوب. ومن تأمل في أحوالهم سيما زين العابدين عليه السلام ظهر له الحال وراء هذا.
الثاني: ما صار إليه بعض أهل الحديث من أنهم عليهم السلام ربما باشروا بعض المكروهات، كالصلاة في الثياب السود ونحو ذلك. وهذا أيضا كالأول لان مباشرتهم للمكروهات، اما للدلالة على عدم تحريمها، أو اضطرارا إليها فيخرج عن حكم الكراهة إلى حكم آخر.
الثالث: انه يجوز أن يوسوس إليهم الشيطان في بعض الأمور، فيرجعون إلى حالهم ويستغفرون عما عرض لهم، كما وقع لجماعة من الأنبياء، مثل صفي الله آدم والنبي داود ويونس وغيرهم. وهذا ليس من قبيل تسلط الشيطان لأنه سبب للقرب والوصال بما حصل لهم من التوبة والرجوع، فهو علة في رفع درجات قربهم. وهذا الوجه يتوجه فيما حكيناه عن طائفة من الأنبياء، اما النبي وأهل بيته عليهم السلام فلم يقع منهم مثله.
الرابع: ما قاله بعض المحققين: من أن هذا من باب انشاء التواضع، كما يقول أحدنا لصاحبه: أنا عبدك وغلامك، قصرت في حقك، مع أنه غير مقصر. ومثله قول علي بن الحسين عليه السلام (أنا الذي مثل الذرة أو دونها) الخامس: ما أفاده الفاضل علي بن عيسى الأربلي، في كتاب كشف الغمة وتمدح به، وتلقاه الأصحاب بالقبول. وحاصله أن أوقاتهم عليهم السلام مستغرقة في مطالعة أسرار الجمال، وأنوار الجلال، فإذا توجهوا إلى هذا العالم بارتكاب مباح من المباحات كالأكل ونحوه، عدوه ذنبا من الذنوب، لتضمنه الاعراض عن مطالعة أنوار المحبوب، فهم يستغفرون عن صدور مثله عنهم. كما أن العبد لو أكل أو شرب في مكان وهو يعلم بمراء ومسمع من سيده. يعد في عرف العقلاء مقصرا تاركا للأدب.
ومن هذا قوله: (حسنات الأبرار سيئات المقربين) وعليه حمل قوله صلى الله عليه وآله " و انه ليران على قلبي، واني لاستغفر الله كل يوم سبعين مرة من غير ذنب " لأنهم إذا تعاطوا شيئا من تلك المباحات، أسرعت كدورة ما إلى قلوبهم لكمال دقتها وفرط نور آنيتها، فان الشئ كلما كان أرق وأصفى، كان كدورات المتكدرات عليه أبين وأهدى وكانوا عليهم السلام إذا أحسوا بشئ من ذلك عدوه على النفس ذنبا واستغفروا منه.
السادس: ما أفاده شيخنا المحدث وكان يعده من الإلهامات، وحاصله. ان مادة البشرية مستعدة لمباشرة الذنوب والمعاصي، والعصمة منها إنما هو من الألطاف الإلهية و التوفيقات الخفيات، فاعترافهم بالذنوب إنما هو بالنسبة إلى حالاتهم الانسانية، الا بالنظر إلى العصمة الإلهية، ويرشد إليه قوله تعالى: " لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا " وقول الصديق: " ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي " وفي دعاءه صلى الله عليه وآله " اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " وسأله بعض نساءه. لو وكلك إلى نفسك ما كنت صانعا؟ فقال: " ما صنع أخي يونس بن متي ".
السابع: ان مراتبهم ودرجاتهم في معرفة الله تعالى، والاطلاع على عالم الملكوت تتزايد يوما فيوما، كما كانت للنبي صلى الله عليه وآله تزيد بالوحي وغيره، وكان يعد معرفته ودرجته أمس نقصا وذنبا بالنسبة إلى درجته في هذا اليوم، فهو يستغفر منه.
الثامن: ما خطر بهذا الخاطر العليل، واستخرجه فهمنا الكليل، وحاصله ان التكليف إنما جاء بإزاء النعم الإلهية فهم عليهم السلام ممن لا توازي نعمه سبحانه عليهم فإنه خلق لأجلهم عالم الوجود، وأوجب على الكونين الانقياد لهم، فهم يهمون بالشكر الموازي لما أنعم عليهم، فلا يطيقونه، فيعترفون لأجل ذلك بالذنب والتقصير. فمعنى ما تقدم من قوله: في سجدة الشكر: " عصيتك بلساني " ان لساني لا يطيق حمدك ولا شكرك فهو عاص بالنسبة إلى ما ينبغي له، وقس عليه باقي ما ذكر من الجوارح التاسع: انهم قادة الأنام، فربما عدت ذنوب الخلق ذنبا عليهم، ويرشد إليه قوله تعالى: " انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " وورد في الحديث والتفسير، ان المراد به ذنب أمته. وقد بقيت وجوه أخر لا نطيل الكلام بها.
(جه).
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 337 338 339 340 341 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 رسالة الردود والنقود على الكتاب والمؤلف مقدمة المؤلف وفيها فصول: 1
2 الفصل الأول: في كيفية اسناد المصنف وروايته لجميع ما ذكره من الأحاديث إلى المشايخ. 5
3 الفصل الثاني: في السبب الداعي إلى جمع هذه الأحاديث. 15
4 الفصل الثالث: فيما رواه بطريق الاسناد المتصل اسناده بطريق العنعنة دون الإجارة والمناولة. 21
5 الفصل الرابع: فيما رواه بطرقه المذكورة محذوفة الاسناد. 30
6 الفصل الخامس: في أحاديث تتعلق بمعالم الدين وجملة من الآداب. 81
7 الفصل السادس: في أحاديث أخرى من هذا الباب رواها بطريق واحد. 95
8 الفصل السابع: في أحاديث تتضمن مثل هذا السياق رواها بطريقها من مظانها 107
9 الفصل الثامن: في أحاديث تشتمل على كثير من الآداب ومعالم الدين روايتها تنتهي إلى النبي (ص). 128
10 الفصل التاسع: في أحاديث تتضمن شيئا من أبواب الفقه ذكرها بعض الأصحاب في بعض كتبه. 195
11 الفصل العاشر: في أحاديث تتضمن شيئا من الآداب الدينية. 246
12 الباب الأول ومنه أربعة مسالك: 299
13 المسلك الأول: في أحاديث ذكرها بعض متقدمي الأصحاب رواها عنه بطريقه إليه. 301
14 المسلك الثاني: في أحاديث تتعلق بمصالح الدين رواها جمال المحققين في بعض كتبه. 349
15 المسلك الثالث: في أحاديث رواها الشيخ محمد بن مكي في بعض مصنفاته تتعلق بأحوال الفقه. 380