بهذه الثلاث هان عليه الدنيا وإبليس (1) والخلق، ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخرا، ولا يطلب عند الناس عزا وعلوا، ولا يدع أيامه باطلا، فهذا أول درجة المتقين، قال الله تعالى: * (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) * (2).
قلت: يا أبا عبد الله أوصني، فقال: أوصيك بتسعة أشياء، فإنها وصيتي لمريدي الطريق إلى الله عز وجل والله أسأل أن يوفقك لاستعماله: ثلاثة منها في رياضة النفس، وثلاثة منها في الحلم، وثلاثة منها في العلم فاحفظها وإياك والتهاون بها، قال عنوان: ففرغت قلبي له.
فقال: أما اللواتي في الرياضة: فإياك أن تأكل مالا تشتهيه فإنه يورث الحماقة والبله، ولا تأكل إلا عند الجوع وإذا أكلت فكل حلالا وسم الله، واذكر حديث الرسول (صلى الله عليه وآله): " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، فإن كان لابد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ".
أما اللواتي في الحلم: فمن قال لك: إن قلت واحدة سمعت عشرا، فقل: إن قلت عشرا لم تسمع واحدة، ومن شتمك فقل: إن كنت صادقا فيما تقول فالله أسأل أن يغفرها لي، وإن كنت كاذبا فيما تقول فالله أسأل أن يغفرها لك، ومن وعدك بالجفاء فعده بالنصيحة والدعاء (3).
وأما اللواتي في العلم: فاسأل العلماء ما جهلت، وإياك أن تسألهم تعنتا وتجربة، وإياك أن تعمل برأيك شيئا، وخذ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلا، واهرب من الفتيا هربك من الأسد، ولا تجعل رقبتك للناس جسرا، قم عني يا أبا عبد الله فقد نصحت لك، ولا تفسد علي