الشيعة مما هو أكثر في الرواية وأبلغ في الدراية الا انه لا تقوم به الحجة عند غير رواته ولا تتضح به المحجة عند غير هداته لكونه من خاص طرقهم واتحاد فرقهم، وما ذكرناه في هذا الفصل ملزم راويه بصحة ما رواه، وشاهد لخصمه بصحة ما ادعاه، فثبتت المزية ما بين الروايتين، وحصلت الفائدة به باتفاق الفريقين، فصار حجة الملتمس ومنار المقتبس إذ قد انتفى عنه ضعف الانفراد، وأطرق (1) به طريق الاتحاد، فصار تلقيه بالقبول فرض عين لا فرض كفاية، واجماعا باليقين لا بانتحال (2) راوية. وإذا ثبت انه لا بد من وجود الامام المهدى، وانه امام آخر الزمان، ووجود عيسى عليه السلام معه ويصلى خلفه ويصدقه على دعواه، وثبت وجود الدجال أيضا وقد اتفقت الصحاح على أنه لا بد من وجود الثلاثة في آخر الزمان، وانه ليس فيهم متبوع غير المهدي عليه السلام بدليل انه امام الأمة ودليل ان عيسى يصلى خلفه ويصدقه على دعواه ويدعو إلى ملته التي هو عليها، ودليل ان الثالث لهما وهو الدجال عدو الله تعالى، فالكلام في بقائهم لا يخلو من أحد قسمين: اما أن يكون بقائهم في مقدور الله تعالى، أولا يكون ومستحيل ان يخرج عن مقدور الله تعالى، لان من بدأ الخلق من غير شئ وأفناه ثم يعيده بعد الفناء، لا بد أن يكون البقاء في مقدوره، وإذا ثبت ان البقاء في مقدوره تعالى، فلا يخلو أيضا من قسمين:
اما أن يكون راجعا إلى اختيار الله تعالى أو إلى اختيار الأمة، ولا يجوز أن يكون راجعا إلى اختيار الأمة، لأنه لو صح ذلك لصح من أحدنا ان يختار البقاء لنفسه ولولده، وذلك غير حاصل فينا وغير داخل تحت مقدورنا، فلا بد من أن يكون ذلك راجعا إلى اختيار الله تعالى.
ثم لا يخلو بقاء هؤلاء الثلاثة من قسمين أيضا: اما أن يكون لسبب أو يكون لغير سبب، فإن كان لغير سبب، كان خارجا عن وجه حكمة، وما خرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعال الله تعالى، فلا بد أن يكون لسبب، وسنذكر سبب بقاء