ثم جعل ذلك فضلا منه تعالى خاصا غير عام، لأنه تعالى قال: " يؤتيه من يشاء " فصارت محبة الله تعالى وفضله المخصوصان والفضل العظيم والجنة، ومحبة من أحب الله تعالى، كل ذلك في جواب الجد والاقدام في الجهاد، ووصفهم سبحانه وتعالى بأنهم " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " (1) ولم يرد سبحانه وتعالى بالذلة هاهنا، أن يكون من الجبن والهلع، الذي هو ضد الشجاعة، وإنما أراد تعالى بالذلة هاهنا: الرأفة والرحمة بالمؤمنين، حتى تكون حالهم معهم من كثرة الشفقة والرأفة بهم، كحال الذليل الذي لا يقدر ان يوصل أذية إلى من لا يقدر على اذيته، وهذا هو غاية المبالغة في اللطف والرأفة بالمؤمنين، ومنه الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه قال: ان أكثر أهل الجنة البله والمجانين (2) ولم يرد بالبله هاهنا: الذي هو ضد اليقظة، وإنما أراد صلى الله عليه وآله، الذين يجتنبون الفواحش، ولا يواقعون منها شيئا، جملة، فشبههم بالبله، من حيث إنهم تركوا ذلك، كأنهم بله عنه لم يعرفوه أصلا، ومنه قول الشاعر:
ولقد لهوت بطفلة ميادة (3) * بلهاء تطلعني على اسرارها يريد البلهاء عن الخنأ، كأنها من اعراضها عنه لا تعرفه، ولو وصفها بالبله، الذي هو ضد اليقظة، لكان مبالغا في ذمها غير مادح لها، ومثله قول الشاعر:
ضعيف العصا بادي العروق ترى له * عليها إذا ما أجذب (4) الناس إصبعا وهذا وصف راعيا حسن السياسة على إبله يريد بقوله: ضعيف العصا: أي