2 - ان معاوية سأل ضرار بن جزء بعد موت على عنه، فقال: صف لي عليا فقال: أو تعفيني؟ قال: صفه، قال: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيك قال: اما إذ لا بد فأقول ما اعلمه منه.
والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وأنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفيه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب.
كان والله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا اتيناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة، ولا نبتدئه عظمة، ان تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين لا يطمع القوى في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله.
فاشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت؟ أم إلي تشوقت؟ هيهات، هيهات غرى غيري قد باينتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير، وخطرك كثير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
قال: فذرفت دموع معاوية على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال معاوية: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها (1) هذه شذرات من فضائله، وقبسات من مناقبه الكثيرة التي حفظها التاريخ عن تلاعب الأيدي.
غير أنه لا يعرف عليا غير خالقه، وبعده صاحب الرسالة الكبرى ابن عمه المصطفى