بعضا، وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه: " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " وأن القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفني عجائبه، ولا تنقي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلا به.
وروي أنه عليه السلام قال: إن أبغض الخلايق إلى الله تعالى رجلان:
رجل وكله الله إلى نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل، سائر بغير علم ولا دليل، مشعوف بكلام بدعة، (1) ودعاء ضلالة، فهو: فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته.
ورجل قمش جهلا، فوضع في جهال الأمة، غار في أغباش الفتنة، قد لهج منها بالصوم والصلاة، عمي في عقد الهدنة، سماه الله: عاريا منسلخا، وسماه أشباه الناس: عالما وليس به، ولما يغن في العلم يوما، سالما بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن، وأكثر من غير طائل جلس بين الناس مفتيا، قاضيا، ضامنا لتلخيص ما التبس على غيره، إن خالف من سبقه: لم يأمن من نقض حكمه من يأتي من بعده، كفعله بمن كان قبله فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه، ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، خباط جهالات، وركاب عشوات، ومفتاح شبهات، فهو لا يدري أصاب الحق أم أخطأ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب، فهو من رأيه في مثل نسج غزل العنكبوت الذي إذا مرت به النار لم يعلم بها، لم يعض على العلم بضرس قاطع، فيغنم بذري الروايات إذراء الريح الهشيم، لأملي والله بإصدار ما ورد عليه، لا يحسب العلم في شئ مما أنكره، ولا يرى أن من وراء ما ذهب فيه مذهب ناطق ما بلغ منه مذهبا لغيره، وإن قاس شيئا بشئ لم يكذب رأيه، كيلا يقال له: لا يعلم شيئا، وإن خالف قاضيا سبقه لم يؤمن فضيحته حين خالفه، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما