منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة خزية (1) أو زلة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفها من الرأي، أتظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته، وذلك ما قال الله " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة [بن مسعود الثقفي] بالطائف " فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء وليس قسمة الله إليك بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه وليس هو عز وجل ممن يخاف أحد كما تخافه أنت لما له وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع أنت فتخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحب أحدا محبة الهواء كما تحب أنت فتقدم من لا يستحق التقديم وإنما معاملته بالعدل، فلا يؤثر إلا بالعدل لأفضل مراتب الدين وجلاله إلا الأفضل في طاعته والأجد في خدمته، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم تباطأ عن طاعته، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازب (2)، فلا يقال له إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضا لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا لأنه تفضل قبله بنعمه.
ألا تري يا عبد الله كيف أغني واحدا وقبح صورته، وكيف حسن صورة واحد وأفقره، وكيف شرف واحدا وأفقره، وكيف أغنى واحدا ووضعه. ثم ليس لهذا الغني أن يقول " هلا أضيف إلى يساري جمال فلان " ولا للجميل أن