فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عبد الله أما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون وزعمت أنه لا يجوز لأجل هذا أن أكون لله رسولا فإنما الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بلم وكيف، ألا ترى أن الله كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا وأعز بعضا وأذل بعضا وأصح بعضا وأسقم بعضا وشرف بعضا ووضع بعضا، وكلهم ممن يأكل الطعام، ثم ليس للفقراء أن يقولوا " لم أفقرتنا وأغنيتهم " ولا للوضعاء أن يقولوا " لم وضعتنا وشرفتهم " ولا للزمني (1) والضعفاء أن يقولوا " لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم " ولا للأذلاء أن يقولوا " لم أذللتنا وأعززتهم " ولا لقباح الصور أن يقولوا " لم قبحتنا وجملتهم " بل إن قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين وله في أحكامه منازعين وبه كافرين، ولكان جوابه لهم: أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي والانقياد لحكمي، فإن سلمتم كنتم عبادا مؤمنين وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين.
ثم أنزل الله عليه: يا محمد " قل إنما أنا بشر مثلكم " يعني آكل الطعام " ويوحى إلي إنما إلهكم إله واحد " (2) يعني قل لهم أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة [دونكم].
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك " هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده " فإن الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك ولا باقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود، يا عبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ويكد (3)