لقاء أحدنا للموت، أنسيت له يوم أحد؟ وقد فررنا بأجمعنا، وصعدنا الجبل، وقد أحاطت به ملوك القوم، وصناديدهم موقنين بقتله، لا يجد محيصا للخروج من أوساطهم، فلما أن سدد عليه القوم رماحهم نكس نفسه عن دابته حتى جاوزه طعان القوم، ثم قام قائما في ركابيه وقد طرق عن سرجه وهو يقول: " يا الله يا الله يا جبرئيل يا جبرئيل يا محمد يا محمد النجاة النجاة " ثم عمد إلى رئيس القوم فضربه ضربة على أم رأسه فبقي على فك واحد ولسان، ثم عمد إلى صاحب الراية العظمى فضربه ضربة على جمجمته ففلقها، ومر السيف يهوي في جسده فبراه ودابته بنصفين: ولما أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا من بين يديه، فجعل يمسحهم بسيفه مسحا حتى تركهم جراثيم جمودا على تلعة من الأرض، يتمرغون في حسرات المنايا، يتجرعون كؤوس الموت، قد اختطف أرواحهم بسيفه، ونحن نتوقع منه أكثر من ذلك، ولم نكن نضبط من أنفسنا من مخافته حتى ابتدئت منك إليه التفاتة، وكان منه إليك ما تعلم، ولولا أنه نزلت آية من كتاب الله لكنا من الهالكين، وهو قوله تعالى ": ولقد عفا عنكم (1) " فاترك هذا الرجل ما تركك، ولا يغرنك قول خالد أنه يقتله؟ فإنه لا يجسر على ذلك، ولو رام لكان أول مقتول بيده، فإنه من ولد عبد مناف، إذا هاجوا هيبوا، وإذا غضبوا أدموا، ولا سيما علي بن أبي طالب عليه السلام نابها الأكبر، وسنامها الأطول، وهامتها الأعظم، والسلام على من اتبع الهدى.
(١٣٠)